في 2025/07/17
(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
بعيدًا عن الإعلام الرسمي والتزامه إلى حد كبير بالدبلوماسية، هناك عالم أخر أكثر تأثيرًا وأكثر كشفًا للمكنون، وأصبح هو المحرك الرئيس للفتن بين الشعوب، وهو عالم التواصل الاجتماعي.
في السنوات الأخيرة ومع تعاظم تأثير مواقع التواصل الاجتماعي، تنامت ظاهرة خطيرة تعصف بوحدة الشعوب العربية والإسلامية، عبر هذا الإعلام الرقمي؛ حيث أضحى هناك منصات خاصة لإثارة الفتنة والعدائية بين الشعوب. وهذا ما يزيد الخطر، عندما تكون له انعكاسات عملية على أرض الواقع، حين يتجلى في سوء المعاملة أو الاشتباك أو الترحيل، وكم سمعنا عن حوادث اعتداء على خلفية التحريض الذي يتخذ من مواقع التواصل منبرًا رئيسًا.
في الآونة الأخيرة، تعاظمت الظاهرة بين الشعب السعودي واليد العاملة المصرية، وتطورت لتصبح حملة ضد ضد هذه العمالة العربية، فشملت السوريين واللبنانيين والفلسطينيين. كما صدرت على الجانب الآخر خطابات تضامنية مع السعودية من جانب دول خليجية أخرى، لتتوسع العدائية وتصبح بين الخليج من جهة وبقية الدول العربية من جهة أخرى، وهو أمر جدًا خطير ومؤثر على صعيد سمعة الخليج بلحاظ البعد الاقتصادي.
إذ تتشكّل صورة ذهنية عامة ترمي إلى أن هناك عربًا يمّرون بأزمات اقتصادية لجأوا إلى دول شقيقة، والتي لم ترحب بهم؛ وحتى حرّضت عليهم. وهو أمر لو كُرّس في الذاكرة الشعبية سيحمل أبعادًا خطيرة في المستقبل، والذي يحمل دومًا تغيرات وانقلابًا في الصور والمراكز الاقتصادية التي قد تشهد عودة إلى وضع سابق، كان الخليج فيه هو الجانب الفقير المأزوم!
اللافت هنا أن هذه الحملات تبدو منظمة، ويكمن خلفها جهات محترفة. وهذه الجهات تلعب بالنار، فأيًا كان دافعها فهي لا تعلم أن نهاية هذا الطريق مأساوية، وأي هدف تكتيكي تسعى لتحقيقة سيكون وبالًا استراتيجيًا على العلاقات الإخوية بين الشعوب العربية.
في تحليل علمي رقمي لهذه الظاهرة، خلصت دراسة علمية تحليلية إلى أن التحليل الشبكي للحسابات المشاركة في الحملات، ومن خلال تحليل بنية التفاعل والروابط بين الحسابات المشاركة، أمكن كشف مجموعة من الأنماط والمؤشّرات الدالّة على طبيعة التنسيق داخل الحملة؛ مثل تمركز التفاعل في عدد محدود من الحسابات المحوريّة، وتكرار نشر المحتوى ذاته عبر شبكات فرعية متّصلة، ما يعكس وجود توزيع منظّم للمهام الرقميّة وإستراتيجية ممنهجة في إدارة الحملة.
كما اتضح، من خلال بنية شبكة الحسابات، وجود شكّل دائري متماسك يتمركز في الحسابات الرئيسة، وهذا ما يُعرف في تحليل الشبكات الرقميّة بنموذج "المحور والأذرع" (hub-and-spoke model). في هذا النموذج، تشكّل الحسابات المركزية نقطة انطلاق رئيسة للرسائل التي تُبثّ إلى نطاق أوسع عبر حسابات طرفية ذات ارتباط ضعيف نسبيًا في ما بينها، ولكنها ترتبط كلها بهذه النقاط المركزية. هذا النموذج يشير بوضوح إلى حملة رقميّة منسّقة ومخطط لها بعناية، وليس تفاعلًا عضويًا أو طبيعيًا بين المستخدمين.
في إطار التحليل المعمّق للبنية الخطابية التي قامت عليها الحملة ضد الجالية المصرية في السعودية، حُدّدت مجموعة من الحسابات المركزيّة التي أدت أدوارًا رئيسّةً في توجيه الخطاب وتضخيم الرسائل وتعزيز الانتشار. يظهر، في مقدّمة هذه الحسابات، حساب "السعودية ?KSA? العظمى 2034???"، والمعرّف بالاسم "@20399_ksa"، إلى جانب الحساب الآخر المعروف بالاسم "xXx" والمعرّف بـ"@CtyAlz". يقدّم هذا التحليل صورةً مفصّلةً واضحةً عن طبيعة هذه الحسابات والخطابات التي استخدمتها والتوجّهات التي تعكسها في إطار الحملة.
طبعًا؛ صدرت ردود أفعال مصرية غاضبة، فانساقت إلى حملات الكراهية والتحريض، كما صدرت خطابات كويتية وأخرى خليجية تتضامن مع السعودية، ووسّعت التحريض ليضم السوريين. واندلعت فتنة كبيرة بين الشعوب الخليجية والمصريين والسوريين والفلسطينيين، وهو أمر لا يعكس طبيعة هذه الشعوب بقدر ما يعكس الانسياق إلى حملات ممنهجة وقفت جهات بعينها وراءها.
في هذا الصدد؛ نتساءل عن صاحب المصلحة، وهل لو كانت هناك أهداف تتعلق بتقليص العمالة الخارجية فهل هذا هو الأسلوب اللائق والرشيد؟
قد تكون هناك قرارات رسمية يمكن تفهمها واحترامها بما يحفظ الود بين الشعوب العربية التي يمكن أن تتفهم ظروف الأشقاء، وأنها تغيرت ولم تعد لتسمح باحتواء العمالة الخارجية، بينما حملات الإهانة واستعداء الأشقاء هي مجازفات تعصف بالمستقبل، خاصة وأن تاريخ دول الخليج غارق بالأزمات والفقر، وبأن دولًا، مثل مصر وغيرها، قامت بمساعدة الشعوب الخليجية على الأصعدة الاقتصادية والتعليمية وغيرها، وهو واجب بين الأشقاء لا يستدعي منًا أو تفضلاُ.
لذلك؛ يجب على الفور الالتفات إلى هذه الظاهرة الخطيرة وإيقافها والتحقيق مع الجهات الكامنة وراءها؛ كونها خطرًا على الأمن القومي العربي والخليجي، على السواء.