علاقات » اوروبي

السعودية وأوكرانيا.. مشاريع واستثمارات تعيد إحياء العلاقة الاقتصادية

في 2025/12/11

متابعات 

يتقدم التعاون الاقتصادي بين السعودية وأوكرانيا بخطوات عملية تعكس تحوّلاً في مستوى التواصل بين الجانبين، مدفوعاً بعودة الحوار المؤسسي وتحركات نشطة لبحث مشاريع جاهزة للاستثمار.

وتُظهر اللقاءات الأخيرة بين البلدين، رغبة مشتركة في بناء مسار اقتصادي أكثر انتظاماً خلال المرحلة المقبلة، مستفيدين من تعدد القطاعات القابلة للشراكة واتساع الفرص على جانبي السوق، مع محاولات أوكرانيا للنهوض من جديد رغم الحرب المستمرة مع روسيا منذ نحو أربعة أعوام.

مرحلة جديدة

وتكشف الاجتماعات التي عُقدت بالرياض في 25 نوفمبر 2025، عن انتقال العلاقة الاقتصادية بين البلدين من مرحلة الانقطاع الطويل إلى استعادة الاتصال المباشر عبر قنوات رسمية ومنتظمة.

فقد شهدت العاصمة السعودية اجتماعات موسعة استمرّت أياماً، بين مسؤولين ورجال أعمال من الجانبين، في امتداد للاتفاق الذي أعاد تفعيل مجلس الأعمال المشترك بعد عقد كامل من التوقف.

وفي هذا السياق قال رئيس مجلس الأعمال السعودي - الأوكراني يوري ميلنيك بتصريح لصحيفة "عكاظ"، في 5 ديسمبر 2025، إن زيارة الوفد الأوكراني دشّنت "مرحلة استراتيجية جديدة"، مشيراً إلى أن عدداً من رجال الأعمال يزورون المملكة للمرة الأولى.

وأكد أن الاجتماعات تمكنت من "إيقاف فجوة السنوات الـ10"، وأن الاتفاقات بين البلدين "بدأت تتحرك فعلياً".

وأوضح ميلنيك أن الجانبين اتفقا على إنشاء قنوات اتصال دائمة بين المجلس والقطاع الخاص لتعزيز التواصل، إلى جانب إزالة التحديات الإجرائية المتعلقة بالاعتماد والشهادات والضرائب لتسريع الاستثمار.

كما تبادل الطرفان محافظ مشاريع جاهزة للتطوير خلال اجتماع وزارة الاستثمار، في خطوة تعكس جدية المسار الجديد.

ويشير ميلنيك إلى أن قيمة مشروعات الوفد تتجاوز مليار دولار، مؤكداً أن حجم التجارة الحالي البالغ 680 مليون دولار لا يعكس الإمكانات الفعلية، مع توقعات بارتفاعه إلى نطاق "مليارين أو 3 مليارات" خلال الفترة القادمة.

شراكة موسعة

ويؤكد الكاتب والمحلل الاقتصادي سعيد خليل العبسي أن استئناف انعقاد منتدى الأعمال السعودي–الأوكراني بعد توقف دام قرابة 10 سنوات يحمل دلالة واضحة على رغبة الجانبين في إعادة بناء مسار اقتصادي منظم، وتحويل العلاقة من تبادل محدود إلى شراكة طويلة المدى.

ويضيف لـ"الخليج أونلاين" أن هذا الاستئناف يفتح الباب أمام فرص واسعة في قطاعات الزراعة والطاقة والخدمات اللوجستية، خاصة مع حاجة أوكرانيا لإعادة الإعمار ووجود قدرات سعودية كبيرة في تمويل وتنفيذ المشاريع الكبرى.

ويشير إلى أن مذكرات التفاهم بين الجانبين ليست مجرد إطار بروتوكولي، بل تشكل آلية تنفيذية تختصر الزمن بين طرح الفكرة وبدء المشروع من خلال تحديد القطاعات ذات الأولوية، وتسهيل الإجراءات، وإنشاء قنوات مباشرة بين الجهات الحكومية والمستثمرين.

ويبين العبسي أن هذه المذكرات تمنح الشراكة جدية ووضوحاً، وتحول المنتدى إلى منصة متابعة وتوجيه للمشاريع الاستثمارية، لافتاً إلى أن القطاعات السعودية الأكثر قدرة على الاستفادة تشمل الأمن الغذائي والطاقة والبنية التحتية والخدمات اللوجستية.

وتحدث عن أن أوكرانيا تمتلك ثقلاً كبيراً في إنتاج الحبوب والزراعة، وهو ما ينسجم مع خطط المملكة لتعزيز أمنها الغذائي، يرى أن مشاريع إعادة الإعمار تتيح فرصاً كبيرة لشركات البناء والطاقة والنقل السعودية ذات الخبرة العالمية.

ويردف العبسي أن الأوضاع الجيوسياسية تفرض ضرورة التعامل مع الملف الاستثماري بحذر عبر الاستعانة بأدوات تأمين مخاطر الحرب، واعتماد التحكيم الدولي، والدخول في شراكات مدعومة حكومياً.

ويشدد على أن "السلام هو الأساس لأي مشروع اقتصادي ناجح"، مشدداً على أنه "في ظل الحروب لا يمكن بناء توقعات استثمارية مستقرة، ولا يمكن للمستثمر أن يراهن على بيئة مضطربة سياسياً وأمنياً".

ويرى العبسي أن إنهاء الحرب وعودة الاستقرار يشكلان شرطاً رئيسياً لتحويل الفرص النظرية إلى مشاريع قائمة بالفعل، لافتاً إلى أن "الفرص موجودة وواعدة، والقدرات السعودية قادرة على استثمارها، لكن تحقيق السلام واستقرار المشهد السياسي يبقى العامل الأكثر حسماً في نجاح أي شراكة اقتصادية مستقبلية بين البلدين، وهو ما يأمله الجميع".

فرص استراتيجية

ويمتد الزخم الحالي إلى قطاعات متعددة، ما يعكس تنوع المجالات الجاهزة للتعاون وارتباطها بأولويات التنمية في المملكة ومتطلبات إعادة الإعمار في أوكرانيا.

تتقدم المعادن الحيوية قائمة الفرص، إذ أوضح ميلنيك أن الوفد ضم شركات مختصة بالغرافيت والتيتانيوم والليثيوم، مؤكداً أن أوكرانيا تمتلك احتياطيات كبيرة تُعد "رابطاً استراتيجياً للمستقبل"، وتنسجم هذه الموارد مع توجه السعودية لتطوير الصناعات المتقدمة وسلاسل الإمداد.

وفي الصناعات الدوائية عقدت الشركات الأوكرانية اجتماعات مع الهيئة العامة للغذاء والدواء لبحث متطلبات إنشاء خطوط إنتاج دوائي خفيف داخل المملكة، وهي مشاريع وصفها ميلنيك بأنها مفيدة للطرفين، خصوصاً في ظل حاجة أوكرانيا لإعادة تشغيل قطاعاتها الحيوية.

كما يمثل قطاع الزراعة والأمن الغذائي محوراً رئيسياً، إذ أشاد ميلنيك بدور شركة "MHP" في توريد الدواجن إلى السعودية، مع الإشارة إلى استثمارات صندوق "سالك" السعودي في أوكرانيا عبر امتلاك "كونتيننتال فارمرز غروب" واستحواذه عام 2025 على 13% من أسهم (MHP).

وأكد أن أوكرانيا "لم تفقد تقريباً أي أرقام في التصدير الغذائي" رغم الحرب، كما أشار إلى أن لدى "MHP" مسارين متوازيين: إنشاء شراكات للإنتاج داخل المملكة، والعمل على استئناف الصادرات الأوكرانية، مؤكداً أن المسارين "يمكن أن يتحركا معاً".

وفي ملف إعادة الإعمار، قال ميلنيك إن بلاده ستحتاج إلى أكثر من 500 مليار دولار وفق تقديرات أولية، مشدداً على أن القطاع الخاص سيكون المحرك الرئيسي، وأن شركات أوكرانية جاهزة للعمل كمستثمر ومشغل وشريك في مشاريع تتقاطع مع اهتمام الصناديق السعودية.

ولفت إلى توفر بيئة استثمارية "مفتوحة الآن" مدعومة بالمنح الدولية واتفاقيات حماية الاستثمار، مع وجود مشروع "عنقود صناعي" بقيمة 500 مليون دولار في مجالات التصنيع والغذاء والطاقة الخضراء.

واختتم ميلنيك بتأكيد أن أوكرانيا تنظر إلى المستقبل "بتفاؤل كبير"، وأن مجلس الأعمال سيكون المنصة الرئيسية لتوسيع الاستثمارات وتعميق التواصل بين البلدين.

يذكر أن منتدى الأعمال السعودي الأوكراني شهد في 24 نوفمبر الماضي، توقيع 15 مذكرة تفاهم، في خطوة تعزّز الشراكات الاستراتيجية وتفتح آفاقاً أوسع للتعاون في قطاعات كالطاقة والصناعة والزراعة واللوجستيات والتقنيات الحديثة.

وحضر الاجتماعات ممثلون عن أكثر من 40 شركة سعودية، إلى جانب رئيس اتحاد الغرف التجارية والصناعية السعودية، حسن الحويزي، وعدد من وكلاء وزارتي الاقتصاد والاستثمار.

في المقابل ضمّ الوفد الأوكراني ممثلين عن شركات تعمل في قطاعات متعددة، منها الزراعة والطب والمواد الحيوية، وتوظّف هذه الشركات أكثر من 180 ألف شخص، وتساهم بأكثر من 4% من الناتج المحلي الإجمالي لأوكرانيا.