علاقات » اوروبي

مورّد بارز للقارة.. هل تنفذ قطر تهديدها بوقف صادرات الغاز لأوروبا؟

في 2025/07/28

متابعات

تعد دولة قطر واحدة من أكبر مصدري الغاز الطبيعي المسال في العالم، وأصبحت مورّداً مهماً إلى أوروبا في أعقاب الاضطرابات بأسواق الطاقة، الناجمة عن غزو روسيا لأوكرانيا.

لكن يبدو أن متطلبات أوروبية مرتبطة بمنظومة الاتحاد الخاصة لحماية المناخ تهدد بشكل حقيقي بوقف صادرات الغاز القطري للأسواق الأوروبية ما يدخل دول القارة في أزمة خطيرة.

وتسعى قطر إلى الاضطلاع بدور أكبر في آسيا وأوروبا مع تزايد المنافسة مع الولايات المتحدة، حيث تخطط لزيادة طاقة تسييل الغاز إلى 142 مليون طن سنوياً بحلول عام 2027 من 77 مليون طن حالياً.

غضب قطري

وفي أحدث تفاصيل هذه الأزمة المتواصلة منذ نهاية العام الماضي، قالت صحيفة "Welt am Sonntag" الألمانية، السبت 26 يوليو الجاري، إن قطر قد توقف تماماً توريد الغاز الطبيعي المسال إلى الاتحاد الأوروبي، إذا أصرت المفوضية الأوروبية على تطبيق متطلبات حماية المناخ الرئيسية.

وأشارت الصحيفة إلى رسالة مكوّنة من أربع صفحات، سلّمها وزير الدولة القطري لشؤون الطاقة والرئيس التنفيذي لشركة قطر للطاقة، سعد الكعبي، إلى الحكومة البلجيكية وحكومات غربية أخرى في مايو الماضي، تضمّنت تحذيراً صريحاً بقطع توريد الغاز القطري المسال إلى الاتحاد الأوروبي.

كما شدد الكعبي في رسالته على ضرورة فرض الاتحاد المزيد من التغييرات على القانون المتعلق بالمناخ.

ولفتت الرسالة إلى أنه في حال لم يتم إحداث أي تغيير، فإن قطر وشركة قطر للطاقة، سيتعين عليهما البحث بجدية عن أسواق بديلة للغاز الطبيعي المسال وغيره من المنتجات خارج الاتحاد الأوروبي، والتي توفّر بيئة أكثر استقراراً وصديقة للأعمال.

كما قال الوزير الكعبي أيضاً: "إن المادة 22 من التوجيه CSDDD، المخصصة لحماية المناخ، تحتوي على تناقضات وتعارضات واضحة مع القوانين والمعايير المعمول بها في قطر".

وأشار إلى أن الاتحاد الأوروبي "يتجاهل حق كل دولة في تحديد أهدافها الخاصة بحماية المناخ، كما تم الاتفاق عليه في اتفاق باريس للمناخ".

وجاء في الرسالة: "الغرامات الباهظة والعقوبات وتحميل المسؤولية القانونية - المدنية عن عدم الامتثال للمادة 22، تشكل خطراً على قدرة قطر للطاقة على مواصلة توريد الغاز الطبيعي المسال ومنتجات أخرى إلى الاتحاد الأوروبي".

وفي ديسمبر الماضي، هدد الكعبي بإيقاف شحن الغاز للاتحاد الأوروبي، في حال فرضت دوله قانوناً جديداً يتعلق بالعمالة والضرر البيئي.

وقال الكعبي، في تصريحات لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية حينها: "إذا كان الأمر ينطوي على خسارة 5% من الإيرادات التي حققتها بسبب البيع لأوروبا، فلن أبيع لأوروبا. أنا جاد في ذلك… 5% من إيرادات شركة قطر للطاقة تعني 5% من إيرادات دولة قطر".

قانون أوروبي

وفي مايو 2024، اعتمد الاتحاد الأوروبي متطلبات جديدة ضمن مجموعة واسعة لمواءمة الشركات مع طموح مزيد من التوسع في الوصول إلى انبعاثات كربونية صفرية بحلول عام 2050، وهو ما أثار ردود فعل في أوساط الشركات العاملة بهذا المجال.

وبموجب قانون يتعلق بالفحص النافي للجهالة واستدامة الشركات الذي تمت الموافقة عليه هذا العام، مطلوبٌ من الشركات الكبرى العاملة في الاتحاد الأوروبي التحقق مما إذا كانت سلاسل الإمداد الخاصة بها تستخدم العمالة القسرية أو تتسبب في أضرار بيئية، واتخاذ الإجراءات اللازمة إذا خلصت إلى ذلك. وتشمل العقوبات غرامات تصل إلى 5% من إجمالي الإيرادات العالمية.

لكن هذه المتطلبات أثارت ردود فعل عنيفة واسعة النطاق من الشركات داخل الاتحاد الأوروبي وخارجه، بسبب القواعد المرهقة التي تضعها في وضع غير تنافسي، وقالت هيئة الصناعة الكيميائية، إن القواعد الأوروبية من شأنها "أن تخلق مخاطر تقاضٍ كبيرة".

ووعدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، في نوفمبر الماضي، باقتراح تشريع "شامل" من شأنه أن يقلل من متطلبات الإبلاغ عن عديد من قوانين التمويل الأخضر في الاتحاد، وضمن ذلك توجيه العناية الواجبة.

أمام خيارين

يرى الباحث الاقتصادي أمجد خليل، أن التهديد القطري يشكل بداية المتاعب التي يمكن أن يواجهها هذا التشريع بالنسبة للاتحاد الأوروبي في المستقبل. 

ويشير خليل إلى أن الدول الأوروبية ستكون أمام خيارين: "إما أن تضطر إلى التضحية بالمورّد القطري ومن ثم تعويضه بمورّد آخر ضمن شروط جيوسياسية صعبة، أو إجراء تسوية تخفف من صرامة هذا القانون أو تؤجل تنفيذه".

ووفق حديثه لـ"الخليج أونلاين"، فإنه في كل الحالات "يحتاج هذا القانون إلى إعادة نقاش وتصويت داخل المؤسسات، وربما يؤدي إلى إضعاف مصداقية هذه المؤسسات".

وأضاف: "فضلاً عن ذلك، فإن القانون لا يستهدف المورّد القطري فقط، بل جميع الشركات الأوروبية أو تلك التي تتعامل مع السوق الأوروبية، ومن ثم ستكون له تداعيات مكلفة على الاتحاد الأوروبي مستقبلاً".

ويعتقد أن القانون في حال أُقِر "سيعقِّد سلاسل التوريد نحو أوروبا، ويدفع الدول الأخرى إلى فرض قيود وقواعد ضد الصادرات الأوروبية، في ظل توجه عالمي نحو مزيدٍ من الحروب التجارية والحمائية والرسوم الجمركية".

كما يعتقد أنه من المحتمل أن تذهب قطر والاتحاد الأوروبي نحو تسوية؛ "ذلك أن الاتحاد الأوروبي يريد خلال الفترة الانتقالية ضمن خطة التحول الطاقي (حتى 2050) تأمين إمدادات طاقة مستقرة، ومن المرجح أن يؤدي خفض التوتر في الشرق الأوسط -لا سيما في سوريا وغزة- إلى تعزيز واردات الاتحاد من الغاز".

وتابع: "تمتلك قطر احتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعي، مما يعطيها قوة فائقة في المفاوضات"، مؤكداً أن "التهديد بوقف تصدير الغاز يمكن أن يكون بمنزلة ضغط لتعديل القوانين أو تأخير تطبيقها"، ويلفت إلى أن "قطر تستفيد من التنويع في أسواق الطاقة، حيث تستطيع توجيه الغاز إلى مناطق أخرى مثل آسيا، ولديها الورقة الرابحة لتحقيق مطالبها".

تبعات اقتصادية

من جانبه يؤكد الباحث الاقتصادي أحمد عيد، أن هذا القرار "يحمل تبعات اقتصادية وجيوسياسية، ويعكس تفاعلاً مع التطورات السياسية والاقتصادية العالمية".

ويوضح عيد بقوله: "الجانب القطري عمل على تجنب فرض غرامات على تصدير الغاز؛ لما لها من تأثير وانعكاس يشكلان عبئاً كبيراً على إجمالي عائدات الدولة، لذا فإن إيقاف التصدير قد يُعتبر رداً استراتيجياً للضغط على أوروبا ليمثل تعزيزاً لموقف قطر التفاوضي".

ويشير، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، إلى أنه مع زيادة الطلب على الغاز في أسواق آسيوية مثل الصين والهند، "قد ترى قطر أن الفرص البديلة أكثر ربحية وأقل قيوداً، حيث تظهر الدوحة في قرارها القوة التي تتمتع بها كواحدة من أكبر مصدري الغاز الطبيعي المسال في العالم. ولا يوجد لديها ما تخسره في ظل تنوع المصادر وتعدد الأسواق".

وأضاف: "ربما يعتبر هذا الإجراء حراكاً قد يغير التوازنات في سوق الطاقة، كما يمكن أن يؤدي إلى تداعيات طويلة الأمد على علاقات قطر مع شركائها الأوروبيين، إضافة إلى أن قرب قطر من الأسواق الآسيوية والأوروبية يمنحها ميزة جغرافية لتلبية الطلب في كلا الجانبين بكفاءة".

وتابع: "بالحديث عن الغاز القطري لا بد من الإشارة إلى أنها تمتلك ثالث أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي في العالم بعد روسيا وإيران، مما يجعلها مصدراً موثوقاً ودائماً للإمدادات، فضلاً عن جودة الغاز القطري الذي يتمتع بنقاوة عالية ومحتوى طاقة مرتفع، مما يجعله مناسباً للاستخدامات الصناعية والمنزلية".

ويؤكد أنه "بفضل التنافس مع الولايات المتحدة وأستراليا، والبنية التحتية لدى المستهلكين من الأسواق النامية، ستظل قطر لاعباً رئيساً في سوق الغاز الطبيعي العالمي لعقود قادمة".

الغاز القطري لأوروبا

وارتفعت صادرات قطر من الغاز الطبيعي المسال إلى الاتحاد الأوروبي بنسبة 13.7% خلال الربع الأول من عام 2025، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

وبحسب ما أوردت صحيفة "الشرق" المحلية، في أبريل الماضي، فإن الكميات المصدّرة من الغاز القطري بلغت نحو 2.65 مليون طن، مقابل 2.33 مليون طن في الربع الأول من عام 2024.

وأضافت أن هذا الارتفاع يعزز مكانة قطر بصفتها أحد المزودين الرئيسيين للطاقة في السوق الأوروبية، في وقت تشهد القارة سعياً متواصلاً لتنويع مصادر الإمداد وتعزيز أمن الطاقة.

واستمرت الولايات المتحدة في صدارتها البلدان الأكبر تصديراً للغاز المسال إلى الاتحاد الأوروبي خلال الربع الأول من عام 2025، مع ارتفاع صادراتها بنسبة 19%، وحلت روسيا في المركز الثاني رغم انخفاض صادراتها إلى الاتحاد بنسبة 7.6% بنفس الفترة.

وشهد إجمالي واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز المسال خلال الربع الأول من العام الجاري ارتفاعاً بنسبة 11.5% لتصل إلى 25.46 مليون طن، مقارنة بنحو 22.82 مليون طن في الفترة ذاتها من عام.

وتتوقع قطر أن تبلغ إيرادات النفط والغاز مع نهاية العام الجاري 154 مليار ريال (42.41 مليار دولار) مقارنة مع 159 مليار ريال (43.79 مليار دولار) في موازنة عام 2024؛ ما يمثل انخفاضاً بنسبة 3.1%.