في 2025/10/15
(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
بدا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب معولاً، بشكل رئيس، على دول الخليج في إعادة إعمار غزة، وحرص في خطابه في الكنيست الاسرائيلي على مخاطبتها علنا في أكثر من مناسبة؛ حين قال "إن هناك دولًا عربية غنية أبدت استعدادها لإعادة إعمار غزة..الأموال المطلوبة بسيطة بالنسبة لما يملكونه"ـ وعزز ذكر هذه المطالب في تصريحاته الصحفية في أكثر من مناسبة لاحقة.
ملف إعادة الإعمار وفقا لخطة ترامب يبدو شائكًا؛ ولا يخلو من فخاخ بسبب البنود المبهمة في خطته وبسبب ارتباط الخطة بمشروعات أخرى مثل "ريفيرا غزة". وهو مشروع احتلال أمريكي صريح لغزة. وهذه الشكوك تتعزز بعد الإشارة إلى تعيين "توني بلير" في المجلس الذي اقترحه ترامب لإدارة غزة، بعد إسهام معهد "توني بلير" في وضع خطة تتقاطع مع هذا المشروع الاستعماري.
لقد شارك "بلير" في اجتماع عُقد، في أواخر أغسطس/آب الماضي، برئاسة ترامب لمناقشة خطط ما بعد الحرب في غزة. وجاء ذلك بعدما انخرط معهد "بلير"، في يوليو/تموز الماضي، بمناقشة مشروع لوضع خطة لما بعد الحرب في غزة. وكشفت مصادر حينها أن موظفي "بلي"ر شاركوا في مشروع "ريفييرا غزة" بالتعاون مع شركة BCG.، وفقا لصحيفة "فاينانشال تايمز".
كما قدّرت مصر تكاليف إعادة الإعمار المدني بـ 53 مليار دولار، ولكن وفقا للخبراء، فقد تكون التكاليف الفعلية أعلى بكثير، نظرا إلى تزايد حجم الدمار في المنطقة بعد أن نشرت مصر مقترحها للإعمار. وتقول التقارير الاسرائيلية أنه وفيما يتعلق بتمويل إعادة إعمار قطاع غزة، غالبا ما تُذكر دول الخليج العربي على أنها جهات يُتوقع أن تتحمل العبء الاقتصادي.
هذا؛ وقد أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في مناسبات عدة، أنه ينظر إلى دول الخليج، وعلى رأسها السعودية والإمارات، على أنها من سيقود إعادة تأهيل القطاع اقتصاديا وماديا بعد الحرب. كما قال معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS): "تؤدي السعودية والإمارات وقطر أدوارا مختلفة، تارة متكاملة وتارة متنافسة، في السياق الغزّي، معززةً أولويات متباينة، فالدوحة مستعدةٌ للاستثمار في القطاع من دون شروط مسبقة تقريبا، بهدف الحفاظ على نفوذها في المنطقة وضمان بقاء حماس. في المقابل، تضع أبوظبي شروطا أمنية وسياسية لاستثمارها في القطاع، بينما تطلب الرياض من إسرائيل تقديم إطار واضح لإقامة دولة فلسطينية؛ وتسعى إلى دمج إعادة الإعمار في عملية إستراتيجية تتضمن التطبيع مع إسرائيل".
كما وضع المعهد الاسرائيلي أربعة سيناريوهات محتملة قد تتبعها الحكومة الإسرائيلية:
السيناريو الأول: الموافقة على طلب السعودية والإمارات لاستبدال حكم حماس بحكومة مرتبطة بالسلطة الفلسطينية، ضمن إطار تسوية حل الدولتين.
الثاني: الاعتماد الاقتصادي على قطر، ما يستلزم تجديد وضع حماس في القطاع.
السيناريو الثالث: التنازل عن المساعدات الخليجية وتحميل "إسرائيل" عبء إعادة الإعمار بالكامل، بتكلفة اقتصادية هائلة.
وأخيرا، عدم إعادة إعمار غزة سيؤدي إلى بيئة من الفوضى والتطرف الديني، إلى جانب التهديدات الأمنية وعدم الاستقرار الناتج عنهما.
جدير بالذكر أن المعهد لم يتطرق إلى السيناريو الخامس الذي تدشنه خطة ترامب، والتي كانت منطلقا لوقف إطلاق النار واتفاق شرم الشيخ. إذ تُشير خطة ترامب إلى التنمية الاقتصادية لإعادة إعمار غزة وتنشيطها، والتي سيجري إنشاؤها من خلال تشكيل لجنة من الخبراء الذين أسهموا في إنشاء بعض المدن المعجزة الحديثة المزدهرة في منطقة غرب آسيا (الشرق الأوسط)، وستُسمى هذه الهيئة الدولية، وفقًا للخطة، "مجلس السلام" برئاسة ترامب، "مع أعضاء ورؤساء دول آخرين سيعرفون لاحقًا"، منهم رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير.
بموجب الخطة، ستعمل الولايات المتحدة "مع شركاء عرب ودوليين على إنشاء قوة استقرار دولية مؤقتة (ISF) للانتشار الفوري في غزة". وكذلك ستنشأ منطقة اقتصادية خاصة بتعرفة جمركية وأسعار دخولٍ تفضيلية يجري التفاوض عليها مع الدول المشاركة.
كما يظهر من خطة ترامب حجم التطابق بينها وبين خطة توني بلير، ويعزز ذلك تعيين الأخير مسؤولًا تنفيذيًا، وقد كشفت وثيقة مسرّبة مؤلفة من 21 صفحة خطة لإنشاء سلطة انتقالية دولية لإدارة قطاع غزة بعد الحرب، بقيادة رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، ضمن مشروع أعدّه فريق مرتبط بمكتبه ودوائر أميركية -إسرائيلية مقربة من إدارة الرئيس دونالد ترامب.
كذبك ذكرت صحيفة "يسرائيل هيوم"، في تقرير لمراسلها أرئيل كاهانا، أن الخطة التي تحمل عنوان "الهيئة الانتقالية الدولية لغزة" (GITA) تقترح إقامة إدارة مؤقتة تمتد بين 3 و5 سنوات. ووفقًا للصحيفة، تنص الوثيقة على تشكيل مجلس إدارة دولي يضم من 7 إلى 10 أعضاء من رجال الأعمال والدبلوماسيين والخبراء الاقتصاديين، يتولى بلير رئاسته ويتمتع بصلاحيات كاملة في مجالات السياسة والأمن والاقتصاد. وبحسب المراسل كاهانا، فإن هذا الهيكل يعكس النهج الذي ستكون الإدارة بموجبه في يد جهات دولية، في حين ستظل المشاركة الفلسطينية في الغالب رمزية.
كما تشمل تأسيس "صندوق إعادة إعمار غزة والاستثمار" بتمويل من دول الخليج واستثمارات غربية وقروض دولية، يعمل وفقًا لنموذج ربحي تشارك فيه الشركات في عوائد مشاريع الإعمار. وهنا؛ المطلوب صراحة من دول الخليج تمويل مشروع وصاية دولية على غزة -وهو مصطلح مخفّف- بينما المصطلح الحقيقي هو احتلال غزة أمريكيا وإقامة مشروع "ريفيرا غزة"، فهل سيقبل الخليج تمويل هذا المشروع الاستعماري أم ستكون له كلمة أخرى؟