في 2025/05/14
(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
لم يحاول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، كعادته، أن يتجمّل أو يخفف من لهجته التي تشكّل حرجا لحلفائه، بل تحدث بصراحة وفجاجة عن أهداف جولته الخليجية، والتي وصفها بالتاريخية، معللًا تاريخيتها بالصفقات والمكاسب الاستثمارية والتجارية. وكان قد استبق الجولة بالإعلان عن أن وجهته الأولى ستكون السعودية شرط الموافقة على استثمارات تصل إلى تريليون دولار.
مما لا شك فيه أن هذه المقايضة تنطوي على إهانة كبيرة للسعودية؛ لأن تشبيهه السابق خلال رئاسته الأولى بأنّها "بقرة حلوب" لم يُمحَ من الذاكرة. وهو ما يعني أن العلاقات الاستراتيجية التي يتغني بها الإعلام الخليجي لا تخرج عن نطاق "اتفاق كوينسي"، والموقع في 14 فبراير/شباط 1945، على متن "طراد يو أس أس كوينسي" بين الملك عبد العزيز آل سعود مؤسس المملكة العربية السعودية والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت العائد من مؤتمر يالطا، ومضمونه هو توفير الولايات المتحدة الحماية غير المشروطة لعائلة آل سعود الحاكمة، مقابل ضمان السعودية لإمدادات الطاقة التي تستحقها الولايات المتحدة.
الخليج الباحث عن مصالحه الاقتصادية والأمنية قد يرى في أميركا القوة العظمى التي تكفل له الحماية، ولكن هناك أمور ومستجدات يجب الانتباه لها قبل هذه الاندفاعة.
قبل ذكر هذه الأمور، والتي قامت بها أميركا قبل زيارة ترامب ولفت نظر حكومات الخليج إليها، يمكن إلقاء الضوء على الجولة وملفاتها واستثماراتها "التاريخية"، بشكل سريع ومختصر.
استثمارات تاريخية لافتة
لقد لخصت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية الجولة الخليجية لترامب بقولها إنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب :" توجّه إلى الشرق الأوسط "مركّزًا على الصفقات التجارية، لا الدبلوماسية". وتوقّعت الصحيفة أن تكون هناك، خلال الزيارة، "سلسلة من المعاملات المالية التي سيروّج لها ترامب على أنّها توفّر فرص عمل للعمال الأميركيين، بدلًا من الاستراتيجية الكبرى".
في هذا الإطار، أوردت الصحيفة أنّ: "لعائلة ترامب 6 صفقات معلّقة مع شركة عقارية مملوكة بأغلبية سعودية، وصفقة عملات رقمية مع شركة تابعة للحكومة الإماراتية، ومشروع جديد لملعب غولف وفيلات فاخرة بدعم من الحكومة القطرية". وقبل زيارة ترامب إلى قطر، أعلن قبوله طائرة بوينغ 747-8 الفاخرة، بعنوان تبرّع من العائلة المالكة القطرية"، على أنّ "تطوّر لاحقًا لتصبح طائرة الرئاسة". وفقًا لما تداوله الإعلام الأمريكي، عن عدد من المسؤولين الأميركيين المطّلعين على الأمر، فإنّ هذه "قد تكون أكبر هبة أجنبية تتلقّاها الحكومة الأميركية على الإطلاق".
بعد ساعات قليلة من زيارة ترامب للسعودية، أعلن البيت الأبيض أنّ واشنطن والرياض :"وقّعتا صفقة أسلحة بقيمة 142 مليار دولار، هي الأكبر في التاريخ". كما قال مصدران مطلعان لوكالة رويترز إن الولايات المتحدة والسعودية ناقشتا احتمال شراء الرياض طائرات إف-35 التي تنتجها شركة لوكهيد مارتن. وأضاف البيت الأبيض أنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب "يضمن التزامًا تاريخيًا"، باستثمار السعودية 600 مليار دولار في الولايات المتحدة.
بخصوص الإمارات، تتحدث التقارير عن نية الإمارات الاستثمار بـ"تريليونات الدولارات" في أمريكا، وفي مارس الماضي/أذار، أعلنت الإمارات العربية المتحدة خطة استثمارية بقيمة 1.4 تريليون دولار أمريكي على مدى 10 سنوات في الولايات المتحدة، تركز على الذكاء الصناعي وأشباه الموصلات، والتصنيع، والطاقة. ويبلغ إجمالي استثماراتها الحالية، في الولايات المتحدة، تريليون دولار أمريكي، وفقًا لسفارتها في واشنطن.
تأتي زيارة ترامب بعد جولة قام بها ابنه إريك ترامب، والذي يدير مع شقيقه "منظمة ترامب"، حيث زار قطر والإمارات مؤخرا لتنسيق صفقات عقارية وتجارية مرتبطة بالعملات الرقمية. وشملت تلك الصفقات مستثمرين لديهم صلات بحكومات تلك الدول، ما يعكس مرة أخرى التداخل بين أعمال العائلة والسياسة الخارجية الأمريكية.
في المقابل، ووفقا للمراقبين، تبقى القضايا الجيوسياسية، مثل الملف النووي الإيراني والحرب في غزة، وحتى زيارة "إسرائيل"، في مرتبة ثانوية ضمن أجندة ترامب خلال هذه الجولة.
ملاحظات يجب الالتفات إليها :
لقد استبق ترامب جولته بعدة أمور لافتة:
1- التوسط المفاجئ والحاسم لوقف إطلاق النار بين الهند وباكستان، وذلك بعد ما بدا من تفوق للسلاح الصيني وإسقاطه للطائرات الغربية التي تستخدمها الهند، وهو ما قد يؤثر على مبيعات الأسلحة الأمريكية والغربية.
2- التظاهر بوجود خلاف مع نتنياهو لتسويغ عقد الصفقات التاريخية مع الخليج، وما قد تشكّله من استفزاز للعرب بسبب الانحياز الأمريكي والشراكة بالعدوان وحرب الإبادة.
3- وقف الصراع الأامريكي المباشر مع الحوثيين في اليمن بعد الحرج الذي سببته الاستهدافات اليمنية لحاملات الطائرات، وهزّ هيبة أميركا التي تدعي أنها ستوفر الحماية للخليج.
لذلك؛ نرجو من حكومات الخليج عدم الاندفاع في الثقة باتجاه أميركا أو الاطمئنان لحمايتها والاستمرار، في مسار تنويع السلاح وموازنة العلاقات مع أميركا والشرق المتمثل بالصين وروسيا؛ لأن أميركا لا آمان ولا عهد لها، كما أن قوتها وهيبتها لم تعد كما كانت.