علاقات » اميركي

تهدئة الهند وباكستان.. وساطة أمريكية سعودية حاسمة تنزع فتيل الحرب

في 2025/05/11

طه العاني - الخليج أونلاين

تلعب المملكة العربية السعودية دوراً متنامياً في الوساطات الإقليمية والدولية، مدفوعة بثقلها السياسي والاقتصادي ورغبتها في تعزيز الاستقرار العالمي.

وفي ضوء التصعيد الخطير الأخير بين الهند وباكستان، سعت الرياض إلى استثمار علاقاتها القوية مع الطرفين لتخفيف حدة التوتر ومنع انزلاق المنطقة إلى مواجهة أوسع، وصولاً إلى إعلان الاتفاق على وقف إطلاق النار، مساء اليوم السبت.

وعكست هذه الجهود إصرار المملكة على مواصلة نهجها الدبلوماسي في حل النزاعات بالحوار والوساطة، ضمن رؤيتها لدعم الأمن الإقليمي والدولي، لا سيما في مناطق النزاع.

اتفاق تهدئة بعد وساطة سعودية أمريكية

وأعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مساء اليوم السبت، موافقة الهند وباكستان على وقفٍ فوريٍّ وشاملٍ لإطلاق النار، وذلك بعد محادثاتٍ بوساطة أمريكية، وجهودٍ سعودية.

وكتب ترامب على حسابه في منصة "تروث سوشيال": "بعد محادثاتٍ بوساطة الولايات المتحدة، يسرّني أن أعلن أن الهند وباكستان اتفقتا على وقفٍ شاملٍ وفوريٍّ لإطلاق النار".

وأعلنت الخارجية الهندية أنه تم الاتفاق على بدء وقفٍ لإطلاق النار مع باكستان، مشيرةً إلى أن القائدين العامين للعمليات العسكرية في الهند وباكستان سيجريان محادثاتٍ مرةً أخرى في 12 مايو الجاري.

من جانبه، قال وزير الخارجية الباكستاني إسحاق دار لوكالة "رويترز"، إنه تم تفعيل القنوات العسكرية والخطوط الساخنة بين الهند وباكستان، مشيراً إلى أن نحو 30 دولةً شاركت في جهودٍ دبلوماسيةٍ نشطةٍ، لافتاً إلى أن السعودية شاركت في محادثاتٍ لوقف النار مع الهند.

كما جاء الإعلان عن الاتفاق بعد اتصالين هاتفيين أجراهما وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان (السبت 10 مايو)، مع كل من وزير الشؤون الخارجية الهندي سوبراهمانيام جايشانكار، ونائب رئيس الوزراء وزير الشؤون الخارجية الباكستاني إسحاق دار، في إطار مساعي المملكة لتهدئة التوترات العسكرية المتصاعدة بين البلدين.

وأكد الأمير فيصل بن فرحان، خلال الاتصالين، حرص المملكة على أمن واستقرار المنطقة، مشدداً على علاقات السعودية الوثيقة والمتوازنة مع كل من الهند وباكستان، بحسب بيان صادر عن وزارة الخارجية السعودية.

كما تم خلال المحادثات استعراض الجهود المبذولة لوقف التصعيد وإنهاء المواجهات العسكرية، والدفع نحو حل الخلافات عبر الحوار والقنوات الدبلوماسية.

وفي وقت سابق، وبتوجيه من القيادة السعودية، قام وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي عادل الجبير، بزيارة للهند وباكستان، يومي 8 و9 مايو الجاري، حيث التقى عدداً من المسؤولين في كلا البلدين؛ لبحث سبل التهدئة ووقف المواجهات العسكرية.

وفي أعقاب تصاعد التوترات بين الهند وباكستان إثر الهجوم الدامي الذي وقع قرب بلدة باهالغام بإقليم كشمير، في 22 أبريل الماضي، أجرى وزير الخارجية السعودي اتصالين هاتفيين مع نظيريه الباكستاني إسحاق دار والهندي سوبراهمانيام جايشانكار.

وجرى خلال الاتصالين بحث العلاقات الثنائية، إضافة إلى مستجدات الأوضاع في المنطقة والجهود الرامية إلى تهدئة التصعيد بين البلدين، وفقاً لوكالة الأنباء السعودية "واس".

وعكس التحرك السعودي قلق الرياض من تداعيات التصعيد في منطقة حساسة، لا سيما بين دولتين نوويتين، ويؤكد سعيها إلى أداء دور وساطة فاعل في احتواء الأزمة قبل أن تتفاقم.

وقادت السعودية، خلال السنوات الماضية، عديداً من الوساطات بين الهند وباكستان، خصوصاً بعد أزمات كشمير عام 2019، عبر زيارات ورسائل لخفض التوتر، وجددت المملكة عام 2024، دعوتها للحوار بين طرفي الصراع لدعم الاستقرار الإقليمي.

كما تحافظ السعودية على علاقات وثيقة مع كل من الهند وباكستان، مما يتيح لها أداء دور الوسيط المحايد من خلال تعزيز التعاون الدفاعي والاقتصادي مع كلا البلدين، إذ تسعى الرياض إلى تحقيق توازن استراتيجي يدعم جهود الوساطة ويقلل من احتمالات التصعيد.​

ثقة متبادلة

ويرى المحلل السياسي السعودي مبارك آل عاتي، أن السعودية تتمتع بعلاقات قوية ومتوازنة مع كل من الهند وباكستان، مما منحها ثقة متبادلة بين البلدين الخصمين وجعلها مؤهلة لأداء دور الوسيط النزيه.

ويوضح آل عاتي لـ"الخليج أونلاين"، أن "ثقة الطرفين وصدق نوايا المملكة، التي لا مصلحة لها في اندلاع صراع بين دولتين نوويتين كبيرتين، عززا فرص نجاح الوساطة السعودية".

وأشار إلى أن للمملكة مصالح استراتيجية واستثمارية كبيرة لدى البلدين، وهو ما تجلى في الاتفاقيات التي وقعها رئيس الوزراء الهندي مؤخراً في جدة.

أبعاد إقليمية

بدوره يؤكد أستاذ العلوم السياسية الدكتور أسعد كاظم شبيب، أن السعودية تمتلك تاريخاً جيداً في الوساطات بين الدول، ما أهَّلها للتدخل بين الهند وباكستان، الدولتين المهمتين إقليمياً ودولياً من حيث السكان والاقتصاد والقدرات العسكرية والتكنولوجية، واللتين تجمعهما خلافات تقليدية عميقة.

ويوضح شبيب لـ"الخليج أونلاين"، أن السعودية تدرك خطورة تفاقم الصراع بين البلدين، خاصة في ظل التوتر الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط، وتسعى لتقليل الآثار والتداعيات المحتملة لهذا الصراع.

ولفت إلى أن المملكة تتمتع بنفوذ كبير على الدولتين، حيث تربطها علاقات تجارية واقتصادية واستثمارية واسعة مع شركات هندية وباكستانية، كما أن التمثيل الدبلوماسي السعودي مستقر في كلا البلدين.

ويرى أستاذ العلوم السياسية أن إدراك الطرفين عدم جدوى الحرب وتداعياتها الإقليمية والدولية أسهم في إنجاح الوساطة السعودية الأمريكية.

ويؤكد أن السعودية "تعمل وفق خط دولي وإقليمي يشمل مصالح دول الخليج والعرب، حيث لا يرغبون في صراع بين دولة إسلامية كباكستان ودولة كبرى كالهند".

كما أشار إلى أن دولاً إقليمية أخرى مثل إيران وتركيا ليس من مصلحتها تفاقم هذا الصراع، مبيناً أنَّ تدخل السعودية حظي بدعم إقليمي ودولي، خاصة في ظل التوازنات الإقليمية الجديدة.

بداية التصعيد

وفجر السبت (10 مايو)، أطلقت باكستان عملية عسكرية واسعة النطاق ضد الهند أطلقت عليها اسم "البنيان المرصوص"، رداً على ما قالت إنه هجوم صاروخي هندي استهدف مراكز عسكرية، في تطور يُعد الأخطر منذ عقود في العلاقة المتوترة بين الجارتين النوويتين.

وتزامن التصعيد مع إعلان باكستان إسقاط 77 طائرة مسيّرة إسرائيلية الصنع، واتهمت الهند باستهداف مناطق مدنية، ما أسفر عن مقتل 33 مدنياً وإصابة 62 آخرين.

بالمقابل أعلنت الهند تعرضها لهجمات بطائرات مسيّرة في كشمير والبنجاب، وأغلقت 24 مطاراً ضمن إجراءات الطوارئ.

وزعمت التحقيقات التي أعلنتها أجهزة الاستخبارات الهندية وجود أدلة تُشير إلى تورط جهاز الاستخبارات الباكستاني في الهجوم الذي تبنته جماعة "جبهة المقاومة" الشهر الماضي المرتبطة بمنظمة "لشكر طيبة"، بحسب ما نقلته صحيفة "هندستان تايمز" عن مصادر أمنية.

وفي إطار ردها على الهجوم، اتخذت الهند سلسلة إجراءات تصعيدية ضد باكستان، من أبرزها طرد الملحقين العسكريين الباكستانيين، وتعليق العمل بـ"معاهدة مياه السند"، وإغلاق معبر "أتاري" البري بشكل فوري، على خلفية ما وصفته بالارتباطات العابرة للحدود بالحادث الدموي في "باهالغام".

وطالبت نيودلهي المواطنين الباكستانيين الذين دخلوا عبر المعبر بمغادرة البلاد قبل 1 مايو الجاري، وعلقت نظام الإعفاء من التأشيرة التابع لـ"رابطة التعاون الإقليمي لجنوب آسيا"، مع منح مهلة 48 ساعة للمغادرة للمستفيدين من هذا النظام.

إلى جانب ذلك قررت السلطات الهندية وقف إصدار التأشيرات للمواطنين الباكستانيين، وإلغاء التأشيرات الصالحة اعتباراً من 27 أبريل الماضي.

وفي ردّها على الإجراءات الهندية أعلنت باكستان تعليق جميع أشكال التجارة مع الهند، ومن ضمنها التجارة عبر دول ثالثة، وطرد المستشارين الهنديين للشؤون الدفاعية والبحرية والجوية، ووصفتهم بـ"شخصيات غير مرغوب فيها".

كما أغلقت المجال الجوي الباكستاني أمام شركات الطيران الهندية، وعلقت منح التأشيرات للمواطنين الهنود، وشددت إسلام آباد على أن أي محاولة هندية لتحويل أو تعطيل تدفق المياه بموجب "معاهدة مياه السند" ستُعتبر "عملاً حربياً"، قبل أن تنتهي كل هذه الإجراءات فور توقيع اتفاق وقف النار.

وخاضت الدولتان النوويتان ثلاث حروب خلال العقود الماضية، ودخلتا أخيراً في دوامة من الإجراءات العقابية والانتقامية في إطار الردود المتبادلة بينهما.