في 2025/07/28
كامل جميل - الخليج أونلاين
لم يكن قول الملياردير الأمريكي والمستثمر البارز في وادي السيليكون، فينود خوسلا، بأن الذكاء الاصطناعي سيقضي على 80% من الوظائف العالية القيمة خلال 5 أعوام، سوى جرس إنذار، يحذّر الدول التي لم تتواكب بشكل فعّال في هذا القطاع.
لكن، هل يعني هذا أن دول الخليج ستكون في مأمن؟
يشهد العالم اليوم موجة تكنولوجية جارفة، تواصل الارتفاع بشكل متسارع، ويبدو أنها ستجرف كل من لا يملك القدرات اللازمة، ليس فقط لركوب هذه الموجة، بل وللتحكم بها أيضاً.
وعليه، تواصل العديد من الدول التقدم بخطى متسارعة لإحداث تغييرات غير مسبوقة في مفاهيم العمل والوظيفة والاقتصاد، لا سيما في دول الخليج التي تقود تحولاً رقمياً كبيراً.
تسيّد الروبوت
إضافة إلى تأكيده أن التقنية قادرة على استبدال 80% من الوظائف ذات القيمة الاقتصادية المرتفعة التي يقوم بها الإنسان، أضاف خوسلا خلال استضافة في برنامج بودكاست مطلع يوليو الجاري، أن الحاجة للعمل تنتهي بحلول عام 2040، إذ يعمل الإنسان بعدها لرغبته في أداء الوظيفة.
وشبّه التغيير الذي يحدثه الذكاء الاصطناعي في عالم الشركات بالتحول الرقمي الذي حدث منذ عدة أعوام، وشهد سقوط شركات مثل (Toys R Us) و"نوكيا"، لعدم قدرتهما على مواكبته.
وستصبح الروبوتات هي التقنية السائدة بحلول عام 2030، وسيمتلك كل شخص روبوتاً في منزله يقوم بالوظائف المملّة التي لا يرغب بها، وتبدأ هذه الوظائف من الطبخ والتنظيف، وفق خوسلا، الذي تبلغ ثروته 9.1 مليارات دولار.
وحذّر أيضاً من استخدام الأنظمة القمعية تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل سلبي، بمحاولة منها للتحكم في مواطنيها، إضافة إلى استغلاله في الحروب بشكل عام.
خوسلا، المؤسس لعدة شركات ناجحة في مختلف القطاعات، من بينها شركة "صن مايكروسيستمز"، لا يهدف في تصريحه إلى التهويل، بل يشير مسبقاً إلى ما سيكون عليه المستقبل القريب، الذي سيشهد تغييراً جذرياً في العديد من الوظائف تشمل قطاعات مثل المحاسبة، والقانون، والإدارة، والصحافة، والبرمجة، وغيرها.
إنجازات خليجية
في الخليج، تكشف المؤشرات عن تحوّل كبير ومتسارع في قطاع الذكاء الاصطناعي، لا سيما في السعودية وقطر والإمارات.
حيث يشهد القطاع اهتماماً متزايداً، وتُدرك الدول الخليجية أهمية التحول السريع الذي يشهده العالم في هذا المجال، والأثر السلبي للدول التي تتخلف عنه.
وتُراهن دول الخليج بقوة على الذكاء الاصطناعي باعتباره أداة لإعادة تشكيل اقتصاداتها ما بعد النفط، ومن بين المؤشرات التي تؤكد التحاق دول مجلس التعاون بركب القطاع:
السعودية تستهدف استثمار 100 مليار دولار في التكنولوجيا المتقدمة حتى 2030.
الإمارات ترصد 3 مليارات دولار سنوياً للابتكار، مع توقع مساهمة الذكاء الاصطناعي بـ98 مليار دولار بحلول 2030.
قطر تضخ 2.5 مليار دولار في الذكاء الاصطناعي لتحسين جودة الحياة والخدمات.
سوق تقنية المعلومات بالكويت يُقدَّر بـ39.8 مليار دولار خلال خمس سنوات، ضمن رؤية 2035.
جميع دول الخليج أصبحت تمتلك بوابات إلكترونية وتطبيقات ذكية لخدمة المواطنين والمقيمين.
السعودية أطلقت برنامج "يسر"، الإمارات أطلقت "حكومة بلا ورق"، وقطر طوّرت منصات حكومية رقمية متقدمة.
تقرير "بوسطن كونسلتينج غروب" أكد أن السعودية والإمارات وقطر بين الدول الأعلى عالمياً في رضا المواطنين عن الخدمات الحكومية الرقمية بنسبة بلغت 81%.
تبلغ مساهمة تقنيات الذكاء الاصطناعي نحو 21 إلى 35 مليار دولار سنوياً في اقتصاد الخليج، بحسب مركز ماكنزي (نوفمبر 2024).
التأثير الإجمالي المتوقع لتلك التقنيات قد يبلغ 150 مليار دولار على المنطقة.
مرحلة جديدة
بسياق ما ذُكر، من المؤكد أن السباق نحو المستقبل قد بدأ، والخليج اختار أن يكون في مقدمته. وسواء تحققت توقعات خوسلا أم لا، يتوجب على دول الخليج الدخول في مرحلة جديدة من التفكير في معنى العمل.
ورغم ما حققته دول الخليج من إنجازات في قطاع الذكاء الاصطناعي، إلا أن تصريحات خوسلا تكشف تحدياً أعمق، وتطرح تساؤلات مفادها:
كيف يمكن أن تتعامل مجتمعات الخليج مع احتمال اختفاء الوظيفة؟ وكيف يمكن تأهيل الأفراد الذين قد تُصبح شهاداتهم بلا فائدة في سوق تقوده الخوارزميات؟
المهندس سامر المبيض، المدير التنفيذي لشركة "فورهات روبوتكس" السويدية للروبوتات والذكاء الصناعي، يرى أن حديث فينود خوسلا "يكشف تحدياً عميقاً يواجه اقتصادات الخليج".
وفي حديثه لـ"الخليج أونلاين"، يلفت المبيض إلى أن الذكاء الاصطناعي لا يزاحم الأيدي العاملة في مواقع البناء أو المصانع، بقدر ما يزاحم العقول في مكاتب الهندسة، والتحليل المالي، والتخطيط.
ويقول إن الذكاء الاصطناعي "يعيد تعريف العمل المعرفي نفسه، ذلك النوع من العمل الذي تقوم عليه الرؤية المستقبلية لدول المنطقة".
في هذا السياق، يؤكد المبيض أن:
الاعتماد على شهادة جامعية حصل عليها الفرد قبل عشر سنوات يصبح أمراً هشّاً.
القيمة الحقيقية ستصبح في المهارات المتجددة، وفي القدرة على التعلم السريع والتكيف.
حول مستقبل شكل قطاع الأعمال، يعرض المبيض تصوّراً لما سيكون عليه الحال:
منظومات تعليمية تمنح الأفراد أرصدة مهارية تتراكم على مدار حياتهم العملية.
منصات وطنية تمنح شهادات قصيرة متجددة، أو حتى أنظمة إقامة مرتبطة بقدرة الفرد على مواكبة المهارات الحديثة.
شركات كبرى قد ترى نفسها مضطرة لتخصيص ميزانيات سنوية لإعادة تدريب موظفيها.
حكومات قد تبني جواز مهارات رقمياً يعكس قدرات الفرد الفعلية في لحظتها، لا تلك التي اكتسبها في الماضي البعيد.
وبحسب المبيض، إذا ما تحققت مثل هذه الخطوات في دول الخليج أو غيرها، فإنها لن تكون مجرد إصلاحات إدارية، بل تحوّلاً جذرياً يجعل الذكاء الاصطناعي أداة لتسريع إمكانات الإنسان لا لإلغائها.
ويختم المبيض، حديثه لـ"الخليج أونلاين" قائلاً: "هنا تكمن الفكرة التي تستحق التوقف عندها، وهي أن مستقبل التنافسية لن يُقاس بعدد الأيدي العاملة، ولا بعدد الشهادات المعلقة على الجدران، بل بقدرة كل فرد على تجديد معرفته باستمرار في اقتصاد لا يتوقف عن التغير".