سياسة وأمن » حروب

ما إمكانية نجاح فكرة مدينة شروق الشمس الأمريكية في غزة؟

في 2025/12/25

محمد أبو رزق- الخليج أونلاين

في الأسابيع الأخيرة، ظهرت خطة أمريكية لإعادة إعمار قطاع غزة تحت اسم مشروع "شروق الشمس"، أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والإعلامية. ورغم الضجة الكبيرة حولها، تبقى أسئلة كثيرة حول ما إذا كانت عرضاً إعلامياً فقط أو خطة قابلة للتطبيق فعلاً.

بحسب تسريبات وتقارير صحفية، يقدم المشروع رؤية لإعادة إعمار غزة وتحويلها على مدى عقد أو عقدين من الزمن (10 سنوات إلى 20 سنة) إلى مدينة تكنولوجية حديثة و"مدينة ذكية" مستقبلية تشمل مناطق سكنية، وبنى تحتية متطورة، وقطارات فائقة السرعة، وأنظمة ذكاء اصطناعي، وقطاع خدمات ومرافق متقدمة.

تقدر تكلفة المشروع بنحو 112 مليار دولار، مع توقع مشاركة الولايات المتحدة بـ20% من التمويل، وبقية التمويل من دول عربية وشركاء دوليين.

وحول ما تم تسريبه عن المدينة قال متحدث باسم البيت الأبيض: إن "الرئيس دونالد ترامب يواصل متابعة الوضع في غزة وخطة السلام"، مضيفاً: "ستواصل الإدارة العمل بجد مع شركائنا للحفاظ على سلام دائم ووضع الأساس لغزة آمنة ومزدهرة".

وعمن يقف وراء المشروع، أفادت صحيفة "وول ستريت جورنال" بأن جاريد كوشنر صهر الرئيس، والمبعوث الأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، وضعوا المخطط.

ووفق الصحيفة، تتضمن الخطة، المكونة من 32 صفحة من شرائح باوربوينت، وصوراً لناطحات سحاب ساحلية إلى جانب رسوم بيانية وجداول التكاليف، وتحدد خطوات لنقل سكان غزة من الخيام إلى الشقق الفاخرة، ومن الفقر إلى الرخاء.

وأضافت "وول ستريت جورنال" أن العرض التقديمي للمشروع لم يتطرق إلى تفاصيل الدول أو الشركات التي ستمول إعادة إعمار غزة.

تطرح الخطوط العريضة للمشروع كـ"خارطة طريق" لتحويل غزة، لكن الكثير من التفاصيل الأساسية ما تزال غير واضحة أو غير معلنة، ومن ضمنها مصير مليوني فلسطيني يقيمون في القطاع خلال تنفيذ المشروع، وآليات التمويل الفعلية ومصادره خارج المشاركة الأمريكية التقديرية، وشروط بدء التنفيذ التي ترتبط غالباً بملفات سياسية حساسة مثل نزع سلاح حركة "حماس" وانسحاب الاحتلال الإسرائيلي من غزة.

يرى محللون أن الخطة تحمل بعداً سياسياً وتجميعياً أكثر من كونها برنامجاً عملياً في هذه المرحلة، فمع غياب اتفاق سلام شامل، ووجود احتلال كامل للقطاع، يبدو من المبكر تنفيذ مشاريع بهذا الحجم.

كما أن المشروع يتجاهل إلى حد بعيد الواقع الإنساني المباشر الذي يعيشه سكان غزة، مثل الحاجة الأساسية للماء، والغذاء، والمأوى، والخدمات الصحية.

مشروع على الورق

المختص الاقتصادي، أحمد أبو قمر، أكد أنه لا يمكن التعامل مع مشروع شروق الشمس الذي تطرحه الإدارة الأمريكية بوصفه خطة إعادة إعمار تقليدية لقطاع غزة، بل يجب النظر إليه كـ"محاولة لإعادة هيكلة الاقتصاد الغزي بالكامل عبر استثمار يقدّر بنحو 112 مليار دولار على مدى يتجاوز عقداً من الزمن".

وقال أبو قمر، في حديثه لـ"الخليج أونلاين": إن "هذا الرقم يعادل أكثر من 30 ضعفاً للناتج المحلي الإجمالي السنوي لغزة قبل الحرب، ما يعني أن المشروع لا يستهدف التعافي فحسب، بل يسعى إلى القفز فوق الواقع الاقتصادي القائم، وهو ما يمثل رهاناً عالي المخاطر في بيئة تفتقر إلى مقومات الاستقرار المالي والمؤسسي".

وأضاف أبو قمر أن الأكثر إشكالية من الناحية الاقتصادية هو هيكل التمويل المقترح، حيث تبلغ المساهمة الأمريكية نحو 20% مقابل أكثر من 80% تمويلاً غير محدد المصدر، ما يجعل المشروع قائماً على افتراضات سياسية ومالية أكثر من كونه قائماً على التزامات قابلة للقياس.

ويشير إلى أن تاريخ مشاريع الإعمار في مناطق النزاع يظهر أن فجوة التعهدات والتمويل الفعلي قد تتجاوز 40–50%، مما يهدد بتحول المشروع إلى خطة مجزأة أو متوقفة في منتصف الطريق مع كلفة غارقة مرتفعة دون عائد اقتصادي حقيقي.

وأكد كذلك أن المشروع يفترض قدرة غزة على استيعاب تدفقات مالية سنوية تتجاوز 10 مليارات دولار وتحقيق معدلات نمو مستدامة تفوق 6% سنوياً لعقد كامل، وهو سيناريو نادر حتى في الاقتصادات الناشئة المستقرة.

ويلفت إلى أن المشكلة لا تكمن في طموح الأرقام، بل في انفصالها عن القدرة الاستيعابية الفعلية للاقتصاد المحلي، ما يجعل "شروق الشمس" مشروعاً ضخماً على الورق، لكنه هش من حيث الجدوى الاقتصادية ما لم يُعَدْ ضبطه على أسس واقعية قابلة للقياس والتنفيذ.

تكلفة الإعمار

تحتاج إعادة إعمار قطاع غزة إلى عشرات المليارات، وفقاً لتقييم أصدرته الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي.

التقييم السريع والمبدئي للأضرار، الذي أعد في نوفمبر الماضي، أظهر أن الاحتياجات اللازمة قد تصل إلى 53.2 مليار دولار للتعافي وإعادة الإعمار على مدى السنوات العشر المقبلة، منها 20 مليار دولار في السنوات الثلاث الأولى.

وسبق أن كتب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في تقرير أُعدّ بناء على طلب الجمعية العامة أن المبالغ الضرورية للنهوض وإعادة الإعمار على المدى القصير والمتوسط والبعيد في قطاع غزة "تقدر بنحو 53 ملياراً و142 مليون دولار".

وضمن هذا المبلغ يقدر التمويل الضروري على المدى القصير للأعوام الثلاثة الأولى بنحو 20 ملياراً و568 مليون دولار.

كذلك، كشفت دراسة لمؤسسة "راند" البحثية الأمريكية أن إعادة إعمار قطاع غزة ستكلف أكثر من 80 مليار دولار، وأن إزالة الأنقاض وحدها ستكلف ما يزيد على 700 مليون دولار.