في 2025/11/09
يوسف حمود - الخليج أونلاين
يواصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تحركاته الدبلوماسية لتعزيز علاقات بلاده الدفاعية مع دول الخليج، في مسعى لتأمين بدائل تسليحية بعد سنوات من تجميد صفقة مقاتلات "إف-35" الأمريكية.
وعقب زيارته إلى الكويت وقطر وعمان، منتصف أكتوبر الماضي، قال أردوغان إن حكومته أجرت محادثات مع عدد من الدول الخليجية بشأن تزويد تركيا بمقاتلات "تايفون"، مشيراً إلى أن المفاوضات تسير "بشكل إيجابي".
وأضاف أن بلاده "بحاجة إلى تعزيز قدراتها الجوية في أسرع وقت ممكن"، موضحاً أن المحادثات مع الأطراف الأوروبية مستمرة بالتوازي.
وتأتي تصريحات أردوغان الأخيرة حول بحث بلاده في الخليج الحصول على طائرات "تايفون" الأوروبية لتضيف بعداً جديداً لشراكات أنقرة العسكرية المتنامية في المنطقة.
كما يقرأ التحرك التركي في الخليج ضمن مسار أوسع يهدف إلى تنويع مصادر القوة الجوية لتركيا، التي تواجه فجوة متزايدة في قدراتها القتالية مع تأخر دخول المقاتلة المحلية "قآن" الخدمة.
صفقة انتقالية
يبدو أن أردوغان وجد في العواصم الخليجية شريكاً محتملاً لصفقة انتقالية تهدف إلى إعادة التوازن إلى قدرات سلاح الجو التركي، بعد أشهر من المحاولات لإقناع برلين بالموافقة على بيع مقاتلات "يوروفايتر تايفون"، وهي طائرة أوروبية متعددة المهام تُنتج ضمن مشروع مشترك بين بريطانيا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا.
ووفقاً لتقارير دفاعية تركية، أجرت أنقرة خلال الشهور الماضية محادثات تقنية مع كل من قطر وسلطنة عُمان، حول إمكانية شراء عدد من طائرات "تايفون" المستعملة من أسطولهما الجوي، في خطوة يُنظر إليها كخيار مؤقت لتعزيز الجاهزية القتالية.
وتُعد الدوحة ومسقط من الدول الخليجية القليلة التي تمتلك هذا الطراز المتقدّم؛ إذ تشغل قطر 24 طائرة "تايفون" تسلمتها ضمن صفقة مع بريطانيا عام 2022، بينما تمتلك سلطنة عُمان 12 طائرة دخلت الخدمة منذ عام 2018.
كما تشير وسائل إعلام تركية إلى أن الصفقة المحتملة مع إحدى الدولتين قد تشمل من 12 إلى 24 طائرة، في إطار اتفاق مرحلي يهدف إلى تحديث الأسطول الجوي التركي الذي يعتمد حالياً على نحو 230 مقاتلة من طراز "إف-16" و40 طائرة "إف-4 فانتوم".
وتسعى تركيا لامتلاك ما لا يقل عن 40 طائرة من هذا الطراز مؤقتاً، إلى حين دخول المقاتلة المحلية "قآن" الخدمة الكاملة بحلول عام 2030، ضمن برنامج وطني طموح لتقليل الاعتماد على الموردين الغربيين.
وفي يوليو الماضي، أعلن وزير الدفاع التركي، يشار غولر، أن أنقرة تواصل التفاوض مع بريطانيا وإيطاليا بشأن صفقة شراء مقاتلات "يوروفايتر"، مشيراً إلى أن الموقف الألماني لا يزال العقبة الوحيدة أمام إتمام الاتفاق، رغم ما وصفه بـ "التعاون الكامل" من جانب لندن في الترتيبات الفنية والتمويلية.
كما أكد غولر أن تركيا تأمل في التوصل إلى اتفاق نهائي خلال عام 2025، في إطار خطة شاملة لتطوير أسطولها الجوي وتوسيع قدراتها القتالية في المنطقة.
وبحسب بيانات وزارة الدفاع التركية، تُقدّر تكلفة الطائرة الواحدة من طراز "يوروفايتر تايفون" بنحو 90 مليون دولار أمريكي، فيما قد تتجاوز قيمة الصفقة الكاملة 3.6 مليارات دولار، وتشمل تجهيزات إلكترونية متقدمة وأنظمة تسليح أوروبية الصنع.
عقبات غربية
وفي هذا السياق يقول المحلل السياسي التركي فراس رضوان: "تركيا حاولت الدخول في شراكات مع عدد من الدول المنتجة للطائرات الحربية، غير أن هذه الدول لا ترغب في أن تتفوق أنقرة جوياً"، على حد قوله، مضيفاً لـ"الخليج أونلاين":
- القوى الغربية تسعى إلى إبقاء أنقرة قوة برية أكثر منها جوية، في إطار استراتيجية بعيدة المدى تهدف إلى الحد من قدرتها على المنافسة العسكرية المتقدمة.
- هذا التوجه يعكس جانباً من "الصراع الأوروبي التركي" في المجال الصناعي والعسكري، إذ لا تزال أنقرة تواجه عراقيل سياسية وتقنية في مشاريعها الخاصة بتطوير محركات الطائرات وأنظمة الدفع.
- علاقات تركيا العسكرية مع دول الخليج، وخصوصاً عمان وقطر، تتسم بالمتانة.
- مسقط من أبرز الدول الخليجية المستوردة للأسلحة التركية، ولا سيما طائرات المراقبة والمسيّرات.
- قطر تمثل شريكاً دائماً وداعماً لتركيا في مختلف القضايا، ما يجعل الدولتين مرشحتين للعب دور مهم في مشاريع التعاون المتعلقة بتطوير محركات الطائرات وتقنيات التصنيع العسكري المشترك.
- تركيا تحتاج بشدة إلى تعزيز قدراتها في مجال محركات الطائرات، وأي دعم خليجي في هذا المسار سيُسهم في تسريع برامج التصنيع العسكري وتوسيع استقلالية أنقرة في مجال الصناعات الدفاعية.
تقارب خليجي تركي
وخلال السنوات الماضية، تسارعت خطوات التعاون الدفاعي بين تركيا ودول الخليج، في مشهد يعكس تعزيز التعاون الاستراتيجي في موازين الشراكات العسكرية بالمنطقة.
ففي يوليو الماضي، وقّعت أنقرة والرياض اتفاقاً لتصنيع طائرات مسيّرة من طراز "أقنجي" داخل الأراضي السعودية، في خطوة تُعدّ الأولى من نوعها في مجال الإنتاج المشترك للتكنولوجيا الدفاعية بين البلدين.
وفي الوقت ذاته، مضت الإمارات وتركيا في توسيع تعاونهما العسكري، إذ شهدت الفترة نفسها توقيع مذكرة تفاهم بين مجلس الإمارات للتوازن الاقتصادي ووكالة الصناعات الدفاعية التركية لتطوير مشاريع مشتركة في مجال الأنظمة الجوية غير المأهولة، بما يعزز حضور الشركات التركية في الأسواق الخليجية.
وفي الدوحة، اجتمعت، في سبتمبر الماضي، لجنة تركية–قطرية مشتركة ناقشت إنشاء مركز صيانة وتدريب للطائرات العسكرية التركية في قطر، ضمن خطة أوسع لتوسيع الوجود الصناعي الدفاعي التركي في منطقة الخليج، عبر الاستثمار في البنية التحتية للصناعات الجوية وتدريب الكوادر المحلية.
كما تشير بيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) إلى أن صادرات الصناعات الدفاعية التركية إلى دول الخليج تضاعفت خمس مرات خلال الأعوام الثلاثة الماضية، لتصل إلى نحو 600 مليون دولار في عام 2024، مقارنة بأقل من 120 مليون دولار في عام 2021.
كما تفيد أيضاً التقديرات بأن قيمة الاتفاقات الدفاعية الموقعة بين تركيا ودول الخليج خلال عامي 2023 و2025 تجاوزت 9 مليارات دولار، شملت صفقات في مجالات الطائرات المسيّرة، والأنظمة الجوية، والذخائر الذكية، ما يجعل تركيا واحدة من أبرز الشركاء الدفاعيين الجدد في المنطقة.
تنويع مصادر التسليح
يرى المحلل السياسي التركي محمد رقيب أوغلو أن تركيا تسير وفق رؤية استراتيجية بعيدة المدى في عهد الرئيس رجب طيب أردوغان، وتستعد لمرحلة جديدة من الصراعات الإقليمية المحتملة خلال السنوات المقبلة، مضيفاً لـ"الخليج أونلاين":
- السياسة الدفاعية التركية الحالية تعكس إدراكاً مبكراً لاحتمال اندلاع مواجهات سواء على مستوى الإقليم أو العالم.
- أنقرة ترى في الحفاظ على قوتها العسكرية المستقلة ضرورة وجودية لا يمكن المساس بها.
- التوجه التركي الحالي يقوم على تنويع مصادر التسليح، ومن ضمن ذلك التعاون مع دول الخليج كبديل عن الاعتماد على الولايات المتحدة.
- تركيا تسعى لتوسيع شبكة شركائها في الصناعات الدفاعية لتقليل القيود المفروضة على وارداتها العسكرية وبناء منظومة إنتاج ذاتية تضمن استقلال قرارها الدفاعي.
- العلاقات العسكرية الخارجية تمثل عنصراً أساسياً في سياسة أنقرة الدفاعية، خاصة مع دول الخليج التي تشهد تعاوناً متزايداً في مجالات التصنيع وتبادل التكنولوجيا.
- تركيا باتت واحدة من أبرز القوى الإقليمية في الصناعات الدفاعية، واستمرارها في توسيع شراكاتها العسكرية الخارجية سيعزز موقعها كقوة قادرة على حماية مصالحها في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة.