اقتصاد » تطوير بنى

اقتصاد الترانزيت بالخليج.. كيف تحول المطارات والموانئ العبور إلى أرباح؟

في 2025/12/18

سلمى حداد - الخليج أونلاين

في دول الخليج العربي لا يُنظر إلى المطارات والموانئ بوصفها مرافق خدمية فقط، بل كـ"ماكينات ربح" تقوم على فكرة واحدة: تحويل المرور (الترانزيت) إلى قيمة.

الركاب العابرون يدفعون رسوماً مباشرة وغير مباشرة، وشركات الطيران تدفع مقابل الهبوط والمناولة والخدمات الأرضية، والسفن تدفع مقابل الرسوّ والتفريغ وإعادة الشحن، بينما تتحول المناطق الحرة المحيطة إلى مصانع تدوير للقيمة من التخزين وإعادة التصدير إلى الخدمات اللوجستية والتمويل والتأمين.

من أين تأتي الأرباح؟

مصادر الربح في "اقتصاد الترانزيت"، الذي باتت تستغله دول الخليج بشكل كبير في السنوات الأخيرة ضمن خططها لخفض الاعتماد على النفط، تتوزع بين دخل تشغيل مباشر من خلال رسوم الهبوط والإقلاع والشحن وإعادة الشحن، إضافة إلى رسوم المرافئ وخدمات السفن.

أما القسم الثاني فهو الدخل غير المباشر عبر تجارة التجزئة في المطارات، أو الإيجارات، ومواقف السيارات، والفنادق، وخدمات رجال الأعمال، والمناطق الحرة، وإعادة التصدير.

ولأن الركاب والبضائع عابرة، فإن الدولة لا تتحمل بالضرورة تكلفة خدمات اجتماعية طويلة الأمد مقابلهم، ما يجعل كثيراً من الإيرادات أقرب إلى ريع خدماتي مبني على الموقع والجودة والسعة.

مطارات الإمارات وقطر

عندما أعلنت "مطارات دبي" في 30 يناير 2025 أن مطار دبي الدولي استقبل 92.3 مليون مسافر في 2024، ظهر أن هذه الكتلة البشرية ليست فقط أرقام حركة؛ إنها قوة شرائية ضخمة داخل المطار: تسوق، وطعام، وخدمات، ورسوم.

وفي 6 يناير 2025، أعلن مطار حمد الدولي أنه خدم 52.7 مليون مسافر في 2024، وهو رقم أعلى بما يزيد عن 15٪ عن عدد المسافرين في العام السابق له.

كما أظهرت أرقام المطار أنه شهد في العام الماضي 279 ألف حركة طيران و2.6 مليون طن شحن، وهي أرقام أعلى بنسبة 12% مقارنة بعام 2023.

وفي جانب آخر، تحدث تقرير لمجلة "أفييشن ويك" الأمريكية في يناير 2025 عن أن ارتفاع الركاب عبر مطار حمد يعني أن الدوحة لا تعتمد على العبور فقط، بل تعمل على تحويل جزء من العابرين إلى زوار، وهي خطوة ترفع إنفاق السياحة والإقامة وتزيد عوائد الاقتصاد المحلي.

أبوظبي بدورها تعزز نموذجها عبر مطارات أبوظبي التي أعلنت في 5 فبراير 2025 مرور 29.4 مليون مسافر في 2024، بارتفاع نسبته 28.1% مقارنة بـ2023.

وفي بيانات لاحقة نُشرت في يوليو الماضي، ذكرت وكالة "رويترز" أن الحركة عبر مطارات أبوظبي في النصف الأول من 2025 ارتفعت إلى 15.8 مليون مسافر، رغم تحديات جيوسياسية واضطرابات جوية إقليمية.

الترانزيت البحري

وإذا كان الترانزيت الجوي يربح من دقائق المسافر، فإن الترانزيت البحري يربح من دقائق الرافعة عبر عمليات التفريغ والتخزين، ثم إعادة التحميل إلى وجهة أخرى.

والسعودية في هذا السياق تحاول تحويل الجغرافيا إلى منصة لوجستية عبر استثمارات الموانئ ورفع أداء القطاع.

وقالت هيئة الموانئ السعودية (موانئ)، في مارس الماضي، إن حجم مناولة البضائع عبر موانئ المملكة في 2024 بلغ 320.8 مليون طن، أي أكثر بنسبة 14٪ مقارنة بالعام السابق له.

وهذه الأرقام لا تشرح وحدها ترانزيتاً بحجم دبي، لكنها تشير إلى توسع سوق الخدمات اللوجستية داخلياً وإقليمياً، خاصة مع توجه المملكة لتكون نقطة ربط بين ثلاث قارات.

ويبرز ميناء جبل علي الإماراتي بشكل أكبر في هذا القطاع، ووفق بيانات شركة "موانئ دبي العالمية" المنشورة في 19 فبراير 2025، فإن الميناء تعامل مع 15.5 مليون حاوية نمطية في 2024، بزيادة مليون حاوية عن العام السابق، وهو أعلى مستوى منذ 2015.

وهذه ليست مجرد قدرة ميناء؛ فالشركة ربطت الأداء بقوة المنظومة حوله، بما في ذلك البيئة الاقتصادية والمناطق الحرة التي تجعل من الميناء نقطة تجميع وإعادة توزيع، لا نقطة تفريغ نهائية.

وفي الإمارات أيضاً، أعلنت مجموعة موانئ أبوظبي في 14 فبراير 2025 أن إضافة محطة CMA في ميناء خليفة رفعت السعة الإجمالية إلى 7.8 مليون حاوية قياسية في 2024، ما يعني زيادة بنحو 2.6 مليون حاوية على أساس سنوي.

سلطنة عُمان كذلك ضمن المستفيدين من هذا القطاع الاقتصادي، ففي يونيو 2024، أكد البنك الدولي في "مؤشر أداء موانئ الحاويات" (CPPI 2023) أن ميناء صلالة جاء ثانياً عالمياً في التصنيف، وهذا النوع من الاعتراف يخدم الميناء تجارياً لأنه يطمئن شركات الشحن إلى زمن التفريغ والموثوقية.

وفي تقرير للميناء منشور في فبراير الماضي، يظهر أنه تعامل مع 3.3 ملايين حاوية قياسية في 2024، مع استمرار خطط توسعة لرفع الطاقة عبر مشروع توسعة بقيمة 300 مليون دولار لرفع الطاقة من 5 إلى 6 ملايين حاوية.

وفي قطر، أظهرت بيانات “مواني قطر” أن إعادة الشحن عبر ميناء حمد ارتفعت 23% في 2024 على أساس سنوي، مع نمو في إجمالي مناولة الحاويات.

ميزة الجغرافيا

وفي قراءته لهذه المعطيات، قال المحلل الاقتصادي منير سيف الدين إن "دول الخليج نجحت في تحويل موقعها الجغرافي إلى ميزة اقتصادية متكاملة".

وأضاف المحلل الاقتصادي في حديثه لـ"الخليج أونلاين" أن هذه الميزة الاقتصادية تحققت بسبب عدة عوامل، أولها أن دول الخليج تقع في المنطقة بين أوروبا وآسيا وإفريقيا، وثانيها الأساطيل وشبكات الطيران التي بنتها الشركات الخليجية لتصنع محاور عالمية أصبحت قادرة على جذب حركة العبور.

وأضاف أن العامل الثالث يتمثل في الاستثمار الكثيف الذي ضخّته دول الخليج في توسعات المطارات والموانئ والمناطق الحرة، بحيث لم يعد الحديث عن مرافق عبور فقط، بل عن منظومات اقتصادية متكاملة.

ولفت إلى أن العامل الرابع هو السرعة والكفاءة كعنصر حاسم لشركات الطيران والشحن عند اختيار نقاط التوقف.

وتابع سيف الدين أن "قصة الترانزيت اليوم لم تعد محصورة بالركاب والبضائع، بل باتت مرتبطة بالبنية الرقمية أيضاً، لأن مراكز البيانات والكابلات البحرية تُعامل كأنها موانئ رقمية تعبر منها المعلومات".

واعتبر أن ذلك يفسر تسارع الاستثمارات في قطاع الربط والبنية التحتية الرقمية في المنطقة خلال السنوات الأخيرة.

وفي المقابل، حذر من أن اقتصاد الترانزيت حساس للصدمات السياسية والجيوسياسية، إذ يمكن لإغلاق الأجواء أو اضطراب الممرات البحرية أو تصاعد التوترات الإقليمية أن ينعكس بسرعة على تدفقات التجارة والسفر، لكنه أشار إلى أن التجربة تُظهر قدرة المحاور الكبرى على التعويض السريع عبر تنويع الأسواق والخطوط والشركاء.

وخلص إلى أن ما تحققه دول الخليج هو ريع جديد لكن بذكاء استثماري، لأنها لا تكتفي بكونها نقطة على الخريطة، بل تبني حول نقطة المرور منظومة كاملة من مطارات وموانئ ومناطق حرة ومناطق لوجستية وخدمات.

وأكد أنه كلما زادت السعة والكفاءة تحولت دقائق العبور إلى عوائد متكررة، وتدفقت استثمارات إضافية في الطاقة المتجددة ومراكز البيانات والكابلات البحرية، بما يعيد تعريف مفهوم الترانزيت ليشمل البشر والبضائع والبيانات في آن واحد.

وأشار سيف الدين إلى أن ربحية المطارات لا تتأتى من الرسوم المباشرة فقط مثل الهبوط والإقلاع وخدمات المسافرين، بل من محركات أكبر ترتبط بإنفاق العابرين داخل المطار.

كما لفت إلى أن كل دقيقة ترانزيت تفتح احتمال شراء في متاجر التجزئة والمطاعم، إلى جانب عوائد العقار والخدمات من صالات وفنادق ومكاتب ومخازن تبريد وشحن سريع.

وأوضح أن الشحن الجوي بدوره يرفع العائد لكل حركة طائرة ويجذب شركات لوجستية عالمية، ما يجعل المطار بوابة تجارة لا تقل أهمية عن كونه بوابة سفر.

وذكر أن نشاط إعادة الشحن يجعل الحاوية نفسها تدفع مرتين أو أكثر لأنها تتحرك بين خطوط مختلفة، ما يرفع إيرادات الميناء ويعزز جاذبيته كمحطة إقليمية.

وبيّن أن القيمة المضافة تتضاعف عبر المناطق الاقتصادية والحرة من خلال التجميع وإعادة التعبئة والتصنيع الخفيف وإعادة التصدير.