في 2025/11/17
عمر محمود –الخليج أونلاين
تتسارع خطوات دول الخليج العربي نحو ترسيخ مفهوم التاكسي الطائر بوصفه أحد وسائل النقل المعتمدة، نظراً لاستدامته وقدرته على التخفيف من الازدحام، ومواكبته لأحدث التطورات العالمية في قطاع النقل، باعتباره أحد أبرز ركائز التنمية المستدامة.
ومنذ العام 2015، شهدت فكرة التاكسي الطائر طفرة ملموسة مع ظهور الطائرات الكهربائية القادرة على الإقلاع والهبوط عمودياً، والتي صممت لتكون صديقة للبيئة، أقل ضوضاء، وأكثر أماناً مقارنة بالمروحيات التقليدية، بفضل محركاتها الكهربائية الحديثة وبطارياتها عالية الكفاءة.
وأتاح التطور التقني في البطاريات والمحركات الكهربائية للمدن الحديثة التفكير في بدائل حقيقية للنقل التقليدي، خصوصاً في المناطق الحضرية المزدحمة، وهو ما جعل التنقل الجوي الحضري قابلاً للتطبيق العملي وليس مجرد حلم مستقبلي.
ابتداء من 2016، بدأت شركات عالمية بإطلاق أول النماذج التجريبية للطائرات الكهربائية، وسرعان ما انخرطت بعض الحكومات، مثل حكومة دبي، في اختبارات رسمية لإطلاق خدمات التكسي الطائر، لتصبح الإمارات أول دولة تجري النقل الجوي رسمياً.
وتشهد دول الخليج حالياً تجارب متقدمة في مجال التاكسي الجوي الكهربائي ذاتي القيادة، في محاولة مستمرة لتحقيق جاهزية كاملة لمستقبل النقل الذكي والمستدام، مع التركيز على الابتكار والتقنيات الحديثة لخدمة الإنسان وتعزيز جودة حياته.
نجاح قطري في تجربة التاكسي الطائر
نفذت وزارة المواصلات القطرية، يوم السبت 15 نوفمبر 2025، أول تجربة رسمية للتاكسي الطائر الكهربائي ذاتي القيادة، ضمن سلسلة اختبارات فنية وتطبيقية تشرف عليها الوزارة لتقييم جاهزية هذه التقنية للاستخدام المستقبلي.
وتهدف خطة إطلاق التاكسي الجوي في قطر إلى تقليل الازدحام المروري، وتعزيز انسيابية الحركة، والحد من الانبعاثات الكربونية، إلى جانب تقديم وسيلة نقل فعالة وسريعة داخل المدن، خصوصاً في المناطق والأوقات ذات الكثافة المرورية العالية.
ويأتي تشغيل التاكسي الطائر ضمن استراتيجية وزارة المواصلات للأعوام 2025 – 2030، لاستخدام وسائل نقل حديثة وصديقة للبيئة، مستدامة ومتقدمة، ضمن منظومة النقل الوطنية.
وتتمتع قطر ببنية تحتية متطورة تتيح استيعاب هذه الوسائل الحديثة ودمجها مع شبكة النقل العام، وسينفذ المشروع على مراحل متتالية تراعي المتطلبات الفنية والتشغيلية والتنظيمية، بما يشمل جاهزية البنية التحتية، واعتماد الأنظمة التشغيلية، واستيفاء معايير السلامة والأمن والجودة لضمان إدماج المنظومة الجديدة في شبكة النقل الوطنية بأسلوب منظم وآمن وفعال.
الإمارات.. بدء نقل الركاب عام 2026
وفي سياق متصل، نفذت دولة الإمارات العربية المتحدة، يوم الأحد 16 نوفمبر 2025، أول رحلة مأهولة للتاكسي الجوي الكهربائي بين موقعين مختلفين، حيث انطلق التاكسي الجوي من موقع اختبارات "جوبي أفياشن" في مرغم إلى مطار آل مكتوم (دبي وورلد سنترال)، في رحلة استغرقت 17 دقيقة.
وأعلنت الإمارات إنشاء ثلاثة مهابط عمودية إضافية لخدمة التاكسي الجوي، بالتعاون مع شركات إعمار العقارية، وأتلانتس ذا رويال، ومجموعة وصل لإدارة الأصول، ضمن مشاريعهم العقارية.
ويؤكد هذا الإنجاز استعدادات شركة "جوبي" وقدرتها على التشغيل ضمن المجال الجوي المشترك، مع استعداد هيئة الطرق والمواصلات وشركة "جوبي" لتوسيع نطاق اختبارات التاكسي الجوي في دبي، تمهيداً لبدء نقل الركاب عام 2026، بالتعاون مع الهيئة العامة للطيران المدني وهيئة دبي للطيران المدني ومؤسسة دبي لخدمات الملاحة الجوية.
السعودية تسرع اعتماد التاكسي الطائر
وفي المملكة العربية السعودية، وقعت الهيئة العامة للطيران المدني، يوم الخميس 13 نوفمبر 2025، مذكرة تفاهم مع شركة "جوبي أفياشن" الأمريكية لتسريع اعتماد ونشر التاكسي الطائر الكهربائي في المملكة.
وتركز المرحلة الأولى من التعاون على تلبية احتياجات السوق المحلي، واستكشاف آفاق التعاون في التوزيع والمبيعات، وإطلاق خدمات مركبات الأجرة الجوية المحلية، بما يشمل الصيانة والتجديد وتدريب الطيارين.
كما يشمل التعاون شراكة مع شركة "الأولى للطيران"، الذراع الجوية لشركة أرامكو، لدعم منظومة النقل والخدمات اللوجستية، خصوصاً مع توقعات ارتفاع أعداد السكان والسياح، وجعل السعودية محوراً لحركة التجارة والنقل في المنطقة.
وفي 18 يوليو 2024، أبرمت مجموعة "السعودية" وشركة "ليليوم" الألمانية اتفاقية لشراء 50 طائرة eVTOL كهربائية بالكامل، مع تسليم أول طائرة متوقع عام 2026، حيث سيتم اعتماد تشغيلها وفق الأنظمة التي تضمن السلامة والجودة من قبل الهيئة العامة للطيران المدني، فيما ستتولى شركة السعودية للطيران الخاص تشغيلها وإدارة عملياتها.
كما دشنت المملكة، لأول مرة، تجربة التاكسي الجوي الذاتي القيادة خلال موسم الحج الماضي، حيث أجرت الطائرة عمليات إقلاع عمودي، مستعرضة خدمات مستقبلية تشمل: نقل الحجاج بين المشاعر المقدسة، ودعم خدمات الطوارئ، ونقل المعدات الطبية، وتقديم حلول لوجستية عبر نقل البضائع.
الاستثمار في التقنيات الحديثة
المهندس أحمد الجلو، الخبير والمحكم الهندسي وعضو جمعية المهندسين القطريين، يرى أن تبني دول الخليج لمشاريع التاكسي الطائر وتقنيات النقل المستدام يعكس رؤيتها المتقدمة في مواكبة أحدث التطورات التكنولوجية عالمياً.
ويوضح الجلو، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن دول الخليج معروفة بريادتها في مجال التكنولوجيا، وأن ما يجري العمل عليه اليوم في قطاع النقل يعد امتداداً لنهج طويل في الاستثمار في التقنيات الحديثة التي تخدم الإنسان والبيئة في الوقت نفسه.
ويشير إلى أن الاستدامة لم تعد محصورة بالمباني أو المدن فقط، بل تشمل منظومة كاملة تضم الطرق والبنى التحتية والطبيعة والعناصر المحيطة بها، مؤكداً أن الحفاظ على البيئة بات أولوية استراتيجية.
ويوضح الجلو أن الاعتماد على التاكسي الطائر والنواقل الجوية الكهربائية الصديقة للبيئة سيسهم بشكل فعال في الحد من التلوث وتقليل الازدحام المروري، لافتاً إلى أن التوسع في إنشاء الطرق والأنفاق والجسور رغم ضرورته يؤدي بطبيعته إلى زيادة الاعتماد على السيارات، مما يعمق مشكلة الازدحام.
لافتاً إلى أن النقل الجوي المستدام يمكن أن يشكل حلاً عملياً حقيقياً لهذه الإشكاليات، خاصة مع كون هذه الوسائل كهربائية نظيفة، وذات كفاءة عالية.
ويشدد الجلو على أهمية أن تكون تكلفة هذه التقنيات معقولة وفي متناول المواطنين والمقيمين، موضحاً أن نجاحها يعتمد على قدرتها على أن تكون خياراً عملياً لا نخبوياً، مؤكداً أن هذه الخطوة تُعد "تجربة نحو المستقبل" وتنسجم مع مستهدفات رؤى 2030 في دول الخليج، ومع مبادئ التنمية المستدامة.
ويستطرد بالقول: "الزخم الخليجي في تبني هذه التقنيات المتقدمة يعكس حرص القيادات الخليجية على رفع جودة الحياة لمواطنيها والمقيمين على أراضيها، عبر توفير أفضل ما توصلت إليه التكنولوجيا عالمياً".
ويؤكد الجلو أن دول الخليج تستمع إلى احتياجات المجتمع، وتسعى إلى توفير بيئة معيشية متكاملة ومزدهرة بفضل ما تملكه من قدرات مالية وبشرية وتكنولوجية.
ويشير إلى أن المنطقة تشهد اليوم تنافساً إيجابياً بين دول الخليج في مجالات التكنولوجيا والبحث والتطوير، وأن هذا الحراك المتسارع يفوق ما تحققه بعض الدول الأوروبية، التي تعيقها التكاليف العالية والأزمات الاقتصادية.
ويختم الجلو حديثه بالتأكيد على أن دول الخليج تمتلك القدرة المالية والكوادر البشرية والبنية التقنية التي تمكنها من ريادة هذا المجال بجدارة، وتمضي بخطوات ثابتة نحو مستقبل نقل مستدام وأكثر ذكاء.