اقتصاد » تطوير بنى

في جبل شمس.. مشروع لوضع عُمان على خريطة إنتاج القهوة العالمية

في 2025/09/27

مازن المحفوظي - الخليج أونلاين

في أعلى قمة جبلية في دول الخليج، وعلى ارتفاع أكثر من 2000 متر في جبل شمس بسلطنة عمان، تتشكّل ملامح تجربة زراعية فريدة، تحمل أبعاداً اقتصادية وثقافية وسياحية.

ويُعدّ مشروع مزارع القهوة أولَ مبادرة تجارية متخصصة في زراعة القهوة في سلطنة عُمان، إذ يهدف إلى إدخال صنف "أرابيكا" عالي الجودة، وتحويل جبل شمس إلى موطن لإنتاج قهوة عُمانية أصيلة.

ويقود هذا المشروع مؤسس الشركة والرئيس التنفيذي سعيد الوردي، الذي أسس شركة مزارع القهوة لتكون حاضنة لهذه التجربة الرائدة.

من التحميص إلى الزراعة

تعود جذور شركة مزارع القهوة إلى عام 1986، حيث بدأت الشركة رحلتها مع تحميص القهوة العُمانية وتوزيعها في السوق المحلي.

ومع مرور الوقت طورت الشركة خبرتها في مجال القهوة، لتنتقل في عام 2008 إلى مرحلة أكثر تخصّصاً من خلال التركيز على القهوة المختصة، وهو ما مكّنها لاحقاً من الحصول على اعتماد دولي من جمعية القهوة المختصة العالمية (SCA)، في اعتراف يعكس جودة منتجاتها والتزامها بالمعايير الدولية.

لكن طموح الشركة لم يتوقف عند التحميص والتوزيع؛ إذ سعت منذ سنوات إلى إدخال زراعة البن محلياً، وفي عام 2023، حصلت على ثقة الحكومة لتبدأ سلسلة من الشراكات التي تكللت بالنجاح في 2025، حينما زُرعت الدفعة الأولية المكوّنة من 300 شتلة من صنف العديني اليمني، أحد أعرق وأجود أصناف الأرابيكا في العالم.

ويطمح المشروع إلى توسيع رقعة الزراعة تدريجياً لتصل إلى 5000 شتلة في 2026، ثم 10 آلاف شتلة بحلول عام 2027.

يقول مؤسس المشروع سعيد الوردي: "اخترنا جبل شمس بعد دراسة دقيقة أثبتت أن خصائصه المناخية تشبه إلى حد كبير بيئة زراعة البن في اليمن وإثيوبيا".

نحن واثقون من أن هذه البيئة قادرة على إنتاج قهوة عُمانية أصيلة بمواصفات عالمية"، مضيفاً أن المشروع يتجاوز كونه زراعة محصول جديد، ليُصبح رافداً اقتصادياً وسياحياً وثقافياً.

تحديات عديدة

منذ انطلاقه واجه المشروع تحديات عديدة، أبرزها ندرة الشتلات الصالحة للزراعة، وقال الوردي: "تُصنّف معظم الدول البنّ كمحصول استراتيجي وتفرض قيوداً على تصدير بذوره، وقد شكّل ذلك عائقاً في البداية، لكننا تغلبنا عليه من خلال إكثار الشتلات محلياً في صلالة وبهلا، وإنشاء مشتلٍ خاص يزوّدنا بما نحتاجه للتوسّع".

وأشار إلى أن هذا الحل مكن الشركة من ضمان استدامة المشروع بعيداً عن تقلبات السوق العالمية.

أما التحدي الآخر فكان شُحّ المياه، وهو أمر طبيعي في المناطق الجبلية، وهنا يوضح المدير العام للمشروع عبد الله المفرجي قائلاً: "تعاملنا مع محدودية المياه عبر أنظمة ريّ بالتنقيط عالية الكفاءة، ونُخطط لإنشاء خزانات لتجميع مياه الأمطار".

وأضاف: "كما واجهتنا تضاريس جبلية صعبة، تغلبنا عليها بتقسيم الأرض إلى مصاطب زراعية تُزرَع على مراحل، مع الاستعانة بخبراء استشاريين متخصصين".

ورغم هذه التحديات كانت النتائج الأولية مشجعة؛ فقد أظهرت الشتلات المزروعة قدرة على التأقلم مع البيئة الجبلية، مما زاد من ثقة الفريق في نجاح التجربة.

كما استفادت الشركة من تعاونها مع خبراء دوليين، مثل المدرب علي الديواني المعتمد لدى جمعية القهوة المختصة، الذي ساعد في تطوير تقنيات الزراعة والتحميص والتقييم الحسي.

يقول مؤسس المشروع سعيد الوردي: "المشروع لم يكن سهلاً، لكن كل تحدٍّ واجهناه فتح لنا باباً للابتكار، وأثبت أن الزراعة في الجبال العُمانية ممكنة وواعدة إذا ما استُغِلَّت بشكل علمي ومنهجي".

تعزيز السياحة والاقتصاد

لا تقف رؤية شركة مزارع القهوة عند حدود زراعة القهوة، بل تمتد لتشمل السياحة الزراعية وتعزيز الهوية الثقافية للقهوة العُمانية.

وتخطط الشركة لإنشاء موقع متكامل في جبل شمس، يتيح للزوار المشاركة في جولات داخل المزارع، وتجارب عملية في موسم الحصاد، إضافة إلى متحف للقهوة بالقرب من مطل الفالق العظيم (ثاني أكبر فالق صخري في العالم).

ويؤكد الوردي: "هذه المبادرة لا تقتصر على الزراعة فحسب؛ بل تهدف إلى دمج الزراعة والسياحة والتراث في سلسلة قيمة متماسكة واحدة".

وعلى المستوى التجاري يشير المفرجي إلى مستقبل السوق المحلي قائلاً: "نتوقع أن يزداد إقبال المستهلكين في عُمان على المنتج الوطني مع وعيهم بجودته وأهمية دعمه، كما أن لدينا نية للتوسع في التصدير مستقبلاً".

اقتصادياً يُشكّل المشروع إضافة نوعية لمسار رؤية عُمان 2040، التي تركز على تنويع الاقتصاد الوطني والاعتماد على قطاعات غير نفطية.

فهو يوفّر فرص عملٍ مباشرة في الزراعة، ويوفر وظائف غير مباشرة في مجالات التحميص، والتعبئة، والتوزيع، والسياحة.

كما يُسهم في تعزيز الهوية الوطنية للقهوة كجزء من الضيافة العُمانية التقليدية التي ما زالت حاضرة في البيوت والمناسبات.

ويختتم الوردي حديثه بالقول: "نطمح لأن نصبح رواداً في مجال زراعة البن العُماني، وأن نضع السلطنة على خارطة إنتاج القهوة العالمية، هذه البداية فقط، وما هو قادم سيكون أكبر وأوسع بإذن الله".