اقتصاد » تطوير بنى

طفرة الشركات المليارية بالسعودية.. بيئة استثمارية جديدة ورؤية تتسارع

في 2025/09/01

يوسف حمود - الخليج أونلاين

يشهد الاقتصاد السعودي تحولات متسارعة مع بروز الشركات الناشئة في قطاعات التكنولوجيا واللوجستيات والذكاء الاصطناعي، حيث باتت المملكة مركزاً إقليمياً لنموذج "اليونيكورن" الذي يرمز إلى الشركات التي تتجاوز قيمتها السوقية مليار دولار.

وتأتي هذه الطفرة في سياق إصلاحات واسعة تهدف إلى تنويع الاقتصاد وجذب الاستثمارات، وهو ما يجعل السعودية أحد أبرز الوجهات لرأس المال الجريء في المنطقة.

نينجا أحدث الشركات

في هذا السياق، كشفت وكالة "بلومبيرغ" الاقتصادية الأمريكية، نقلاً عن مصادر مطلعة، لم تسمها، أن شركة "نينجا" للتوصيل السريع، التي تتخذ من الرياض مقراً لها، جمعت قرابة 250 مليون دولار من مستثمرين محليين بقيادة "الرياض المالية"، لترتفع قيمتها إلى نحو 1.5 مليار دولار.

وبهذا تصبح "نينجا" أحدث الشركات السعودية التي تدخل نادي "اليونيكورن" بعد نحو ثلاث سنوات فقط من تأسيسها، مع خطط لطرح عام أولي بحلول عام 2027.

ويؤكد دخول "نينجا" على مسار متنامٍ يضع السعودية في مقدمة الدول التي تراهن على الشركات الناشئة كجزء من رؤيتها للتحول الاقتصادي.

ورغم تباطؤ الاستثمار الجريء عالمياً منذ 2022، تمكنت المملكة من استقطاب اهتمام المستثمرين عبر بيئة تنظيمية وتشريعية أكثر مرونة، وبرامج تحفيزية تركز على الابتكار وريادة الأعمال.

بيئة استثمارية محفزة

حتى مارس الماضي، أفادت بيانات الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة "منشآت" أن خمس شركات سعودية انضمت إلى قائمة "اليونيكورن"، فيما هناك 35 شركة أخرى على أعتاب بلوغ هذا المستوى، مع توقعات بزيادة العدد خلال الأعوام المقبلة.

وتتركز هذه الشركات في قطاعات الذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا المالية، والسياحة، واللوجستيات، ما يعكس تنوع الاقتصاد السعودي واستعداده لاحتضان نماذج أعمال مستقبلية.

تظهر الأرقام أن رؤية 2030 وضعت هدفاً برفع مساهمة المنشآت الصغيرة والمتوسطة إلى 35% من الناتج المحلي الإجمالي، عبر تحسين بيئة الأعمال وتعزيز الابتكار.

ويجري ذلك من خلال مبادرات مثل برنامج "طموح" الذي يقدم خدمات رئيسية للشركات المتسارعة النمو تشمل التمويل والمعرفة والوصول إلى الأسواق، بالإضافة إلى "تحفيز الشركات المليارية المحتملة" الذي يسعى لربط رواد الأعمال بالمستثمرين محلياً ودولياً.

دور البرامج الحكومية

تشير بيانات "منشآت" السعودية إلى أن برنامج "طموح" وحده ساعد شركات مثل "جاهز" و"نعناع" على تحقيق نمو كبير في الإيرادات والتوسع دولياً، حيث وفر استثمارات تتجاوز 2.5 مليار ريال (667 مليون دولار) العام الماضي، وساهم في رفع متوسط النمو في الإيرادات بنسبة 25% وعدد الموظفين بالنسبة نفسها.

 وتوضح الهيئة أن هذا النوع من البرامج لا يقتصر على التمويل فحسب، بل يشمل التدريب وبناء القدرات وربط الشركات بالأسواق العالمية.

على الصعيد نفسه، يوفر برنامج "تحفيز الشركات المليارية المحتملة" فرصاً إضافية للتوسع عبر المعارض الدولية وزيارات لأهم الأودية التقنية العالمية، مما يتيح للشركات السعودية الناشئة فرصة استقطاب التمويل الجريء ورأس المال التوسعي من داخل وخارج البلاد.

مقارنة مع المشهد العالمي

على الصعيد الدولي، تجاوز عدد الشركات المصنفة كـ"يونيكورن" 1200 شركة حتى عام 2024، بحسب تقرير "CB Insights"، ويشمل ذلك شركات مثل "بايت دانس" الصينية التي بلغت قيمتها نحو 225 مليار دولار، و"سبيس إكس" الأمريكية بقيمة 150 مليار دولار.

وإلى جانب "اليونيكورن"، برزت مصطلحات مثل "ديكا كورن" للشركات التي تتجاوز قيمتها 10 مليارات دولار، و"هيكتو كورن" التي تتخطى 100 مليار دولار.

في السعودية، يعكس ظهور هذه المصطلحات دخول المملكة في فضاء تنافسي عالمي، حيث تسعى لتعزيز مكانتها كمركز إقليمي للأعمال.

ووفق ما ذكرته "منشآت"، فإن دعم الابتكار وريادة الأعمال أصبح جزءاً أساسياً من سياسات الدولة، بما في ذلك إنشاء حاضنات أعمال ومراكز ابتكار لتسريع نمو الشركات الناشئة، خاصة تلك التي تملك نماذج أعمال قابلة للتوسع عالمياً.

تحولات جذرية

ومصطلح "اليونيكورن" ظهر أول مرة عام 2013 على لسان خبيرة التمويل الأمريكية "أيليين لي" لوصف الشركات الناشئة في وادي السيليكون التي تمكنت من تجاوز حاجز المليار دولار بسرعة، واليوم، بات هذا المصطلح يرمز إلى موجة عالمية من الابتكار الرقمي الذي غير وجه الاقتصاد الدولي.

في السعودية، تبدو الطفرة الحالية انعكاساً لنجاح سياسات الإصلاح التي انطلقت منذ عام 2016 مع إطلاق رؤية 2030، ففي ذلك الحين، كان حضور الشركات الناشئة محدوداً، أما اليوم فهي تشكل جزءاً رئيسياً من المشهد الاقتصادي، مع توقعات بأن تصبح المملكة خلال العقد المقبل إحدى أبرز أسواق رأس المال الجريء عالمياً.

وتسهم هذه الطفرة في تعزيز مكانة السعودية ضمن خريطة ريادة الأعمال الإقليمية، حيث تتسابق دول الخليج الأخرى، مثل الإمارات وقطر، على استقطاب الاستثمارات الناشئة، لكن حجم السوق السعودي، المدعوم بتوجهات حكومية واضحة، يمنحه ميزة تنافسية فريدة.

ويعتبر انضمام "نينجا" إلى نادي "اليونيكورن" السعودي خطوة جديدة تعزز صورة المملكة كمختبر لأفكار جديدة، وتؤكد أن الشركات الناشئة باتت جزءاً لا يتجزأ من معادلة الإصلاح الاقتصادي، مع توقعات بأن الأعوام المقبلة ستشهد دخول شركات إضافية إلى القائمة، مما يعزز النمو ويعطي زخماً إضافياً لمسار التحول الاقتصادي الجاري.