اقتصاد » تطوير بنى

ديون أقل وتصنيف أعلى.. عُمان ترسم معادلة الاستقرار المالي

في 2025/08/18

سلمى حداد - الخليج أونلاين

تسير سلطنة عُمان بخطى متسارعة نحو ترسيخ الاستدامة المالية وتعزيز متانة مركزها المالي والاقتصادي، مستندة إلى رؤية واضحة جعلت من خفض الدين العام وتنويع مصادر الدخل ركيزتين أساسيتين.

وعلى مدار الأعوام الخمسة الماضية، انتهجت السلطنة سياسات مالية متحفظة، استندت إلى استباقية السداد، وترشيد الاقتراض، واستثمار الفوائض النفطية لتعزيز الاحتياطيات، في وقت حافظت فيه على مستويات مرتفعة من الإنفاق الاجتماعي والإنمائي.

وهذه السياسات لم تقتصر نتائجها على استقرار المالية العامة، بل انعكست بشكل مباشر على ثقة وكالات التصنيف الائتماني والمستثمرين الدوليين.

تراجع الدين وانخفاض الإيرادات

وفي أحدث البيانات كشفت وزارة المالية العُمانية عن تراجع حجم الدين العام للبلاد إلى نحو 14.1 مليار ريال عُماني (36.6 مليار دولار) بنهاية الربع الثاني من عام 2025، مقارنة بـ14.4 مليار ريال عُماني (37.4 مليار دولار) في الفترة ذاتها من 2024.

وحسب بيانات الأداء المالي الصادرة في 17 أغسطس 2025، فقد سددت الوزارة حتى نهاية يونيو الماضي أكثر من 749 مليون ريال عُماني (1.95 مليار دولار) مستحقات مدفوعة للقطاع الخاص عبر النظام المالي.

كما أشارت البيانات إلى أن هذا السداد جاء على الرغم من انخفاض الإيرادات العامة للدولة بنسبة 6%، لتسجل نحو 5.84 مليارات ريال عُماني (15.2 مليار دولار)، مقابل 6.19 مليارات ريال عُماني (16.1 مليار دولار) في الربع الثاني من 2024، نتيجة تراجع أسعار وإنتاج النفط.

وانخفضت إيرادات النفط بنسبة 10% لتبلغ 3.02 مليارات ريال عُماني (7.85 مليارات دولار)، في حين تراجعت إيرادات الغاز إلى 884 مليون ريال عُماني (2.3 مليار دولار)، بالمقابل، ارتفعت الإيرادات الجارية إلى نحو 1.93 مليار ريال عُماني (5 مليارات دولار).

أما الإنفاق العام فارتفع بنسبة 5% ليصل إلى 6.1 مليارات ريال عُماني (15.8 مليار دولار)، بدعم من زيادة المصروفات الإنمائية التي بلغت 688 مليون ريال عُماني (1.8 مليار دولار)، بنسبة صرف 76% من إجمالي المخصصات للعام الجاري.

كما بلغ الإنفاق على القطاعات الاجتماعية والأساسية نحو 3.12 مليارات ريال عُماني (8.1 مليارات دولار)، توزعت بواقع 52% للتعليم، و21% للضمان والرعاية الاجتماعية، و19% للصحة، و8% للإسكان.

كيف تراجع الدين؟

التراجع في الدين العام العماني تحقق بفضل تخصيص فوائض النفط لسداد التزامات الدين، واتباع نهج استباقي يقوم على استبدال القروض المكلفة بأخرى أقل كلفة، وهو ما أسهم في تخفيف أعباء خدمة الدين وتقليص تكلفته المستقبلية.

وبحسب بيانات سابقة لوزارة المالية العُمانية، بلغ إجمالي ما تم توجيهه لسداد خدمة الدين منذ عام 2020 حتى نهاية 2023 أكثر من 4 مليارات ريال (10.4 مليارات دولار)، مع تحقيق وفورات مستقبلية تقدّر بنحو 350 مليون ريال (910 ملايين دولار) عبر استبدال القروض المكلفة بأخرى أقل كلفة.

كما رفعت مخصصات سداد الديون المستقبلية في ميزانية 2025 إلى 440 مليون ريال (1.14 مليار دولار) مقارنة بـ400 مليون ريال (1.04 مليار دولار) في العام السابق.

وسلطت وكالة "بلومبيرغ" الاقتصادية الأمريكية، في تقرير سابق لها، الضوء على استراتيجية مسقط لسداد ديونها اعتماداً على عائدات النفط المرتفعة.

ووفق التقرير فإن سلطنة عُمان نفذت سلسلة من الإصلاحات لخفض ديونها، ومن ضمن ذلك إدخال ضريبة القيمة المضافة العام الماضي.

واعتبر أن استخدام مسقط المكاسب غير المتوقعة من ارتفاع أسعار النفط خلال السنوات الماضية في سداد الديون خطوة مهمة لدعم اقتصاد الدولة الخليجية.

وأشارت إلى أن سلطنة عُمان عملت أيضاً على إعادة شراء بعض السندات السيادية، وسداد القروض عالية التكلفة، بالإضافة إلى إصدار صكوك محلية للتداول في البورصة، لخفض ديونها.

قفزة بالتصنيف الائتماني

تلك الجهود أثمرت تحسناً تاريخياً في التصنيف الائتماني للسلطنة، حيث رفعت وكالة "موديز"، في يوليو 2025، التصنيف إلى Baa3، وهو مستوى الدرجة الاستثمارية، مع نظرة مستقبلية مستقرة.

وأشارت "موديز"، في تقرير أصدرته في يوليو الماضي، إلى أن خفض الدين ومرونة الإدارة المالية سيمكنان السلطنة من الحفاظ على مؤشرات قوية حتى في حال تراجعت أسعار النفط عن متوسط تقديراتها البالغ 65 دولاراً للبرميل.

كما انعكس ذلك على أداء السندات السيادية العُمانية المقومة بالدولار، التي سجلت مكاسب ملحوظة وتصدرت قائمة أفضل 10 سندات سيادية أداءً ضمن مؤشر بلومبيرغ للأسواق الناشئة، وفق تقرير نشرته وكالة بلومبيرغ الاقتصادية الأمريكية، الأسبوع الماضي.

استباقية السداد

في تحليل نشرته الكاتبة الاقتصادية أمل رجب، في يونيو الماضي، بصحيفة "عُمان اليوم"، أوضحت أن تراجع أسعار النفط خلال الربع الأول من 2025 أدى إلى تسجيل أول عجز مالي منذ 2022، لكنه كشف في الوقت ذاته عن أهمية النجاحات التي حققتها السلطنة في السنوات الأخيرة.

وترى رجب أن "عُمان انتقلت من وضعية تدهور التصنيف الائتماني وارتفاع الدين إلى تحسن ملموس في المركز المالي وخفض الأعباء المستقبلية، بفضل تنفيذ مبادرات رؤية عُمان 2040 التي جعلت ملف الدين أولوية قصوى".

وأضافت أن "استباقية سداد القروض المكلفة، والتحفظ في تقدير أسعار النفط عند 60 دولاراً في الموازنة، وفرت هوامش أمان كبيرة، ورسخت الثقة في قدرة السلطنة على مواجهة تقلبات الأسواق العالمية".

وأشارت رجب، في مقال آخر نشرته في يناير الماضي، إلى أنه ضمن التوجهات المالية الحديثة أعلنت وزارة المالية العمانية أنها ستفعل خلال 2025 الإطار السيادي للتمويل المستدام، عبر طرح أول إصدار من السندات والصكوك المتوافقة مع معايير التنمية المستدامة.

وتستهدف هذه الخطوة جذب شريحة جديدة من المستثمرين، خصوصاً في قطاعات الهيدروجين الأخضر والصناعات النظيفة والاقتصاد الدائري، وفق رجب.

وأشارت إلى أن برنامج الاقتراض المحلي لهذا العام يتضمن إصدارات جديدة من الصكوك السيادية وسندات التنمية بإجمالي 750 مليون ريال (1.95 مليار دولار)، منها إصداران بقيمة 200 مليون ريال (520 مليون دولار) للصكوك.

وبالفعل أعلنت المالية العمانية، في 13 يوليو الماضي، طرح إصدار جديد من سندات التنمية الحكومية بقيمة 60 مليون ريال عُماني (156 مليون دولار) لمدة استحقاق تبلغ 3 سنوات وبسعر فائدة أساسي قدره 4.3% سنوياً، وفق وكالة الأنباء العمانية.

ويرى محللون أن هذا التوجه يعزز ثقة المستثمرين، ويقلص الاعتماد على الاقتراض الخارجي ذي الكلفة الأعلى والمخاطر الإضافية.

سياسة مالية متوازنة

وفي سياق متصل، اعتبر المحلل الاقتصادي أحمد أبو قمر، أن تجربة سلطنة عُمان في إدارة ملف الدين العام خلال السنوات الأخيرة "تمثل نموذجاً ناجحاً لسياسات مالية متوازنة في منطقة الخليج".

وقال أبو قمر، في حديثه لـ"الخليج أونلاين": إن "انخفاض حجم الدين العام إلى 14.1 مليار ريال (36.6 مليار دولار) يعكس بوضوح التزام الحكومة بخفض المديونية، وهو أمر ليس بالسهل في ظل تراجع أسعار النفط خلال بعض الفترات، لكنه تحقق بفضل الإدارة الحكيمة للفوائض النفطية وإعادة هيكلة القروض".

وأضاف أن "ما يميز التجربة العُمانية هو المزج بين السداد الاستباقي للديون، وتوسيع قاعدة التمويل المستدام، إلى جانب الحفاظ على الإنفاق الاجتماعي والإنمائي، وهو ما يجعل السياسات أكثر توازناً ويعزز ثقة المؤسسات الدولية".

وأشار أبو قمر إلى أن "النهج العُماني القائم على تقدير سعر النفط في الموازنة عند مستويات متحفظة، بحدود 60 دولاراً للبرميل، خلق هامش أمان مالي مكّن الحكومة من التعامل مع تقلبات الأسواق دون اللجوء إلى مديونية إضافية، وهو ما يُظهر درجة عالية من الانضباط والشفافية".

ولفت إلى أن "إطلاق الإطار السيادي للتمويل المستدام، وطرح الصكوك والسندات المتوافقة مع معايير التنمية الخضراء، لا يعكس فقط انفتاح عُمان على أسواق استثمارية جديدة، بل يضعها في مصاف الدول التي تواكب التحولات العالمية نحو الاقتصاد منخفض الكربون".

وشدد على أن "تحسن التصنيف الائتماني لعُمان ووصوله إلى الدرجة الاستثمارية سيترجم إلى تقليص كلفة الاقتراض مستقبلاً، وجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية، لا سيما في قطاعات الطاقة المتجددة والصناعة والسياحة"، مضيفاً أن "هذه المكاسب ستسهم في تسريع التنويع الاقتصادي وتحقيق أهداف رؤية عُمان 2040".