في 2025/07/31
سلمى حداد - الخليج أونلاين
في ظل التحولات الاجتماعية والاقتصادية المتسارعة التي تعيشها المملكة العربية السعودية، لم يعد قطاع التجميل مجرد نشاط تجاري جانبي، بل بات أحد المحركات النشطة لنمو الاقتصاد غير النفطي، وسوقاً ديناميكياً ستتجاوز قيمته حاجز 6.2 مليارات دولار حتى نهاية عام 2025.
وهذا الرقم ليس مجرد دلالة على ازدهار قطاع معين، بل يعكس عمق التغير الذي يطرأ على أنماط الاستهلاك، والتموضع الاقتصادي للمرأة، والبيئة التجارية في المملكة.
ويقف خلف هذه الطفرة عوامل اجتماعية واقتصادية متشابكة، فمن جهة، ساهم تمكين المرأة وتوسيع دورها في سوق العمل ومجالات الإعلام والترفيه في مضاعفة اهتمامها بالمنتجات التجميلية والعناية الشخصية.
ومن جهة أخرى، عززت وسائل التواصل الاجتماعي -ولا سيما "إنستغرام" و"تيك توك"- من ثقافة التجميل بوصفها جزءاً من "الهوية الفردية"، ومصدراً للثقة والتعبير عن الذات.
كما ارتفع متوسط الإنفاق الفردي على مستحضرات العناية والجمال بنسبة 19% منذ عام 2020 مدفوعاً بتوسع شريحة المستهلكات وارتفاع القوة الشرائية بين الفئات الشابة والمتوسطة، وفق بيانات شركة "موردر إنتليجنس" المتخصصة بأبحاث السوق.
حراك صناعي لافت
ووفق بيانات وزارة الصناعة والثروة المعدنية السعودية، المنشورة في يوليو الجاري، تحتضن المملكة حالياً 129 مصنعاً لمستحضرات التجميل موزعة على 11 منطقة، أبرزها الرياض، ومكة المكرمة، والمنطقة الشرقية.
ويشير هذا الرقم إلى توجّه حكومي واضح نحو دعم التصنيع المحلي، وتقليل الاعتماد على المنتجات المستوردة، ضمن رؤية 2030 التي تستهدف تعزيز المحتوى المحلي وتوسيع سلاسل الإمداد.
ويُتوقع أن يرتفع عدد المصانع بنسبة 30% خلال السنوات الخمس المقبلة، خصوصاً مع إطلاق مبادرات مثل "حاضنة نمو" و"ألف ميل"، اللتين تستهدفان دعم رواد الأعمال وتأهيل المصانع للتصدير، وتعزيز بيئة التجميل كمصدر للدخل وفرص العمل.
السوق الأسرع نمواً
ووفق بيانات وكالة "Statista" الدولية، فإن السعودية تحتل مكانة كأكبر أسواق الجمال في المنطقة وأسرعها نمواً، بنمو سنوي متوقع 3.43% حتى 2030، مقارنة بمعدل نمو إقليمي يبلغ 3.26%.
كما قالت شركة "غولد أبل"، إحدى أبرز شركات التجزئة العالمية، في تقرير نشرته العام الماضي، إن السوق السعودية تُعد الأكبر والأسرع نمواً في منطقة الخليج.
وفي المملكة نحو 700 علامة تجارية متوافرة في السوق، منها 100 علامة حصرية في السعودية، تشمل علامات أوروبية فاخرة مثل (La Biosthetique، Kerastase، La Sultane de Saba)، وأخرى أمريكية مثل (MAC وTom Ford)، إلى جانب العلامات الكورية والروسية.
وتشير بيانات السوق إلى صعود لافت للمنتجات الكورية نظراً لجودتها وسعرها المنافس.
وفي المقابل، لا تزال العلامات الأوروبية تهيمن على فئة المكياج، لكن بأسعار تفوق بمعدل 2.5 مرة المنتجات الكورية، إذ يبلغ متوسط سعر مكياج العلامات الأوروبية نحو 200 ريال (53.30 دولاراً)، مقارنة بـ80 ريالاً (21.33 دولاراً) للمنتجات الكورية.
هذا الفارق السعري الكبير شكّل نقطة تحول في سلوك المستهلك السعودي، الذي بات يولي أهمية متزايدة لمعادلة "القيمة مقابل السعر"، خصوصاً في ظل تنامي الثقافة الجمالية وتعدد الخيارات المتاحة في السوق.
الخبير في التوعية الصحية عضو الجمعية الصيدلية السعودية سابقاً، أنس زارع، يعلق على هذا النمو بتصريحات له، في يوليو 2024، لصحيفة "الاقتصادية" المحلية، قائلاً: "سوق مستحضرات التجميل والعناية الشخصية في السعودية سجلت تحولاً نوعياً مدفوعاً بعوامل عدة، منها تمكين المرأة وزيادة الدخل، وتزايد الإنفاق الفردي على منتجات التجميل".
وبحسب زارع، فإن "المنتجات الكورية أصبحت خياراً منافساً بفضل مزيج من الجودة العالية والأسعار التنافسية، ما يشكل دافعاً للشركات العالمية نحو إعادة صياغة استراتيجياتها، والتوطين، والاستثمار في الكوادر المحلية لمواجهة هذا التحول".
وأشار إلى أن ذلك يبرز تغير نمط الحياة وارتفاع الاهتمام بالمظهر الخارجي، وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي التي تؤدي دوراً محورياً في صياغة تفضيلات المستهلكين، مدفوعة بالمؤثرين والمشاهير، إضافة إلى القوة الشرائية العالية للشباب الذين يمثلون أكثر من 65% من المجتمع السعودي، ويعدّون الفئة الأكثر تفاعلاً مع منصات التجارة الإلكترونية".
ووفق بيانات نشرتها صحيفة "الاقتصادية" المحلية، في نوفمبر الماضي، فإن خدمات التوصيل الإلكتروني تمثل حالياً نحو 45.5% من مبيعات قطاع التجميل في المملكة.
وفي 29 يوليو الجاري، قالت شركة "غولد أبل" العالمية، المتخصصة في التجزئة الإلكترونية لمستحضرات التجميل، إن السوق السعودية تمثل إحدى أسرع الأسواق نمواً في استهلاك الجمال الرقمي، مشيرة إلى وجود فرص توسع غير مسبوقة في ظل التوجه الاستهلاكي الجديد.
ولفت الخبير في التوعية الصحية إلى أن العلامات القادرة على التكيف مع السوق والثقافة السعودية تملك فرصاً كبيرة للاستحواذ، وأن التصنيع المحلي والشراكات مع الكيانات السعودية أصبحت ضرورة للتوسع، خاصة مع دعم الحكومة للتوطين ومكافحة الاحتكار.
أسباب النمو الكبير
وفي شرح أكبر للطفرة في سوق مستحضرات التجميل بالمملكة، أفادت شركة "جارسكينج" الصينية المختصة بمستحضرات التجميل، في أكتوبر الماضي، بأن السعوديين أصبحوا الآن الأكثر إنفاقاً على منتجات التجميل في الشرق الأوسط، وهو ما يعكس تغير المعايير الثقافية والانفتاح المتزايد على تأثيرات الجمال العالمية.
وذكرت الشركة، في تقريرها، أن مبادرة رؤية 2030، التي تهدف إلى تقليل اعتماد المملكة على النفط، حفزت الاستثمارات في قطاعات مختلفة، ومن بينها تجارة التجزئة والسلع الاستهلاكية، وقد خلق هذا الإطار الاستراتيجي بيئة مواتية للعلامات التجارية المتخصصة في مستحضرات التجميل التي تسعى إلى دخول السوق.
وأشارت إلى أن المعايير المجتمعية المتطورة فيما يتعلق بالعناية الشخصية والجمال أدت إلى قبول أكبر لمنتجات التجميل المتنوعة بين المستهلكين السعوديين.
ويتجلى هذا التحول في الشعبية المتزايدة لأنظمة العناية بالبشرة والمكياج بين الرجال والنساء على حد سواء، وفق التقرير نفسه.
وحول تفضيلات السوق في السعودية، أوضحت الشركة الصينية أن سوق التجميل بالمملكة تتميز بإقبال متزايد على المنتجات الفاخرة والشمولية.
وقالت إن "نسبة الشباب في البلاد دون سن الثلاثين تبلغ 70%، وهي الفئة الأكثر تأثيراً في تشكيل اتجاهات التجميل، وتتمتع هذه الفئة العمرية بالذكاء الرقمي، وهي مستهلكة متكررة لوسائل التواصل الاجتماعي، ومتحمسة لتجربة منتجات جديدة".
وأضافت: "يفضل المستهلكون السعوديون بشدة منتجات التجميل الفاخرة، وخاصة مستحضرات التجميل والعطور، وقد مكّن ارتفاع الدخل المتاح للمستهلكين في المملكة من استكشاف العلامات التجارية الفاخرة".
وتابعت الشركة: "بالإضافة إلى ذلك، ساهمت التغيرات الاجتماعية والثقافية، مثل زيادة ظهور المرأة في القوى العاملة، في تغيير تفضيلات الجمال، وتشجيع عرض أكثر انفتاحاً للجمال كشكل من أشكال التعبير عن الذات".
قيمة مضافة للاقتصاد
وفي هذا السياق، قال الخبير الاقتصادي، منير سيف الدين، إن الطفرة في سوق مستحضرات التجميل بالمملكة لا يمكن فصلها عن التوجه الأوسع نحو تنويع مصادر الدخل الوطني.
وأوضح سيف الدين، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن "قطاع التجميل بات يمثل اليوم أحد الأركان النامية للاقتصاد غير النفطي، ويُظهر قدرة القطاعات الاستهلاكية على النمو السريع في بيئة محفزة، مما يعكس نجاعة البرامج الحكومية مثل رؤية 2030 في فتح أسواق جديدة ورفع مساهمة القطاع الخاص".
ويضيف أن السوق السعودية تمتاز بعدة عناصر جعلتها بيئة خصبة لنمو قطاع التجميل، منها البنية الرقمية المتقدمة، والشريحة الشبابية الواسعة، والطلب المتزايد على الجودة والرفاهية.
وتابع: "هذه العوامل تدفع الشركات العالمية لإعادة توجيه استثماراتها نحو المملكة، سواء عبر التوسع المباشر أو الشراكات مع علامات محلية".
وأشار إلى أن توطين الصناعة التجميلية يحمل قيمة مضافة كبيرة للاقتصاد الوطني، قائلاً: "التصنيع المحلي لا يخلق فرص العمل فحسب، بل يدعم سلاسل الإمداد الداخلية ويعزز الميزان التجاري، خصوصاً إذا اقترن ذلك بحوافز تصديرية واستثمارات في التعليم المهني والمختبرات".