اقتصاد » صفقات

السعودية والصين.. آفاق جديدة للصناعات المتقدمة والتعدين

في 2025/10/15

طه العاني - الخليج أونلاين 

عزّزت المملكة العربية السعودية حضورها الصناعي الدولي بتوقيع 42 اتفاقية استثمارية جديدة مع الصين، خلال ملتقى الأعمال المشترك بينهما الذي انعقد في بكين، لتتجاوز قيمة الاتفاقيات 1.74 مليار دولار.

وجاءت هذه الخطوة في إطار توجه البلدين نحو تطوير قطاعات الصناعات المتقدمة، والمركبات الذكية، وحلول الطاقة، والأجهزة الطبية، والموارد المعدنية، بما يرسخ موقع الرياض وبكين كشريكين رئيسيين في بناء سلاسل إنتاج وصناعات عالية القيمة.

الاستثمارات المتبادلة

ومثّل ملتقى بكين، في 24 سبتمبر 2025، منصة بارزة لاستعراض مسار الشراكة السعودية – الصينية، حيث أشار وزير الصناعة والثروة المعدنية بندر الخريِّف إلى أن هذه الاتفاقيات تعكس تنامي التعاون الصناعي والاستثماري بين الجانبين، في ظل مشاركة نحو 200 شركة وممثلين حكوميين من البلدين.

وأكد الخريّف أن العلاقات الاقتصادية تشهد تطوراً نوعياً تجسده قفزة حجم التجارة الثنائية الذي بلغ عام 2024 نحو 403 مليارات ريال سعودي (107.5 مليار دولار)، بزيادة أكثر من الضعف خلال أقل من عقد، وفق وكالة الأنباء السعودية "واس".  

وتواصل السعودية دورها مورداً رئيساً للصين في الوقود والبتروكيماويات والمواد المتقدمة، فيما تبقى الصين أكبر مصدر للآلات والإلكترونيات ومعدات النقل والسلع الاستهلاكية إلى المملكة.

وعن الاستثمارات المباشرة أوضح الوزير أن الاستثمار الصيني في السعودية نما بنسبة 30% خلال 2024 ليتجاوز 31 مليار ريال سعودي (8.3 مليارات دولار)، مع دخول قطاعات جديدة مثل التعدين وصناعة السيارات والبتروكيماويات.

كما تتجاوز أكثر من 750 شركة صينية تعمل داخل المملكة، منها شركات كبرى في مشاريع مثل "نيوم"، ومدن صناعية كمدينة الجبيل الصناعية ومدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلية، وهي مواقع تُعد نقاط ارتكاز استراتيجية ضمن مبادرة "الحزام والطريق".

وفي المقابل يتوسع الاستثمار السعودي في الصين ليتجاوز 8 مليارات ريال سعودي (2.1 مليار دولار)، إضافة إلى مذكرات تفاهم أبرمها صندوق الاستثمارات العامة مع مؤسسات مالية صينية بقيمة 50 مليار دولار، ما يعكس اتجاهاً متبادلاً لتوسيع الشراكة من البنية التحتية التقليدية إلى الصناعات المستقبلية.

وتتناغم "رؤية المملكة 2030" مع مبادرة "الحزام والطريق"، وفق الخريف، إذ يجري العمل على إنشاء ممرات جديدة لسلاسل الإمداد تربط آسيا بالشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا، بما يعزز مكانة السعودية مركزاً صناعياً ولوجستياً عالمياً، وشريكاً رئيسياً للصين في الصناعات ذات القيمة المضافة.

ويشير الخريف إلى أن الاستراتيجية الوطنية للصناعة تركز على تطوير 12 قطاعاً فرعياً، تشمل الأمن الغذائي والدوائي والصناعات العسكرية، إضافة إلى الصناعات المتقدمة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة.

وفي قطاع التعدين لفت الوزير إلى أن السعودية تنفذ استراتيجية شاملة لتعظيم الاستفادة من مواردها المعدنية، مع الإشارة إلى دور الشراكة مع هيئة المساحة الجيولوجية الصينية في استكشاف المزيد من الثروات.

وأكد أن الإصلاحات التشريعية والإجرائية التي أجرتها المملكة قلّصت فترة إصدار التراخيص التعدينية، ما ساعدها على التقدم من المرتبة 104 إلى المرتبة 23 عالمياً في مؤشر جاذبية بيئة الاستثمار التعديني.

وكان الخريف قد أكّد في مقابلة مع "الشرق" الاقتصادية، في 24 سبتمبر 2025، أن بلاده ترغب بتعزيز التعاون مع الصين في مجال التعدين، على أن يبلغ كافة الخدمات المرتبطة بالقطاع لا أعمال الاستكشاف والمواد الخام فحسب، ليشمل أعمال التكنولوجيا، والتمويل، وسلاسل الإمداد المرتبطة بالقطاع.

نقلة نوعية

وترى الباحثة في الاقتصاد الدولي ماردين محسوم فرج، أن هذه الصفقات تركزت بشكل رئيسي على الاستثمار الصناعي والتقني في قطاعات متقدمة؛ مثل التصنيع الحديث، والمركبات الذكية، والطاقة، والمعدات الطبية، والموارد المعدنية.

وتضيف لـ"الخليج أونلاين" أن هذه الاتفاقيات تهدف إلى تعزيز القدرات الإنتاجية المحلية وتوطين أجزاء من سلاسل القيمة الصناعية، مشيرة إلى أن ما يُميزها هو تركيزها على تقليل الاعتماد على الواردات عبر نقل مراحل إنتاجية إلى الداخل السعودي.

وتوضح فرج أن هذه الاستثمارات تسهم في خلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، حيث توفر المشروعات الصناعية والتقنية الجديدة وظائف فورية، وتخلق أيضاً تأثيرات توظيفية غير مباشرة في قطاع الخدمات والموردين المحليين.

وتردف أن المشروعات الكبرى تعمل كذلك على تحفيز الطلب على الخدمات المحلية وتعزيز البيئة التمكينية من لوجستيات وتمويل وتأمين، مما يحسن من كفاءة سلاسل القيمة المحلية.

وترى أن القيمة الحقيقية لهذه الاستثمارات على المدى المتوسط والبعيد تعتمد بشكل أساسي على مدى متابعة التنفيذ ونجاح سياسات التوطين الملزمة، مشددة على ضرورة أن تُرفق هذه الاتفاقيات بشروط واضحة لاستخدام المهارات والعمالة السعودية وبرامج فعالة لنقل التكنولوجيا.

ويُتوقع أن يشهد القطاع الصناعي بدء تشغيل خطوط إنتاج ومصانع في قطاعات مثل السيارات الذكية والمعدات الطبية، وتلفت فرج إلى أن هذا التعاون يمكن أن يؤدي إلى تحسين المهارات الفنية للعاملين المحليين عبر برامج تدريبية مشتركة.

كما توقعت أن يقود ذلك إلى تعزيز التصنيع المحلي وزيادة القدرة التصديرية عبر التحوّل التدريجي من استيراد المكونات إلى إنتاج محلي لبعض السلع، مما يرفع مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي.

واختتمت حديثها بالإشارة إلى أن هذه الاتفاقيات تمثل نقلة نوعية في الشراكة السعودية–الصينية، لأنها تحوّل العلاقة إلى شراكة إنتاجية وتكنولوجية متكاملة.

وتلخص هذا التحول في ثلاثة أبعاد رئيسية هي:

التحول من العلاقة التجارية إلى الشراكة الإنتاجية.
التحول من التبادل السلعي إلى التبادل المعرفي والتقني.
التحول من العقود الثنائية إلى الشراكات الاستراتيجية طويلة الأجل.

قطاع التعدين

وأبرزت زيارة وزير الصناعة والثروة المعدنية بندر الخريّف إلى بكين جانباً محورياً من الشراكة السعودية – الصينية، حيث شارك في لقاء متخصص حول قطاع التعدين نظمته الوزارة بالتعاون مع جمعية التعدين الصينية، بهدف استعراض تطور القطاع في المملكة والفرص الاستثمارية المتاحة أمام الشركات العالمية.

ونقلت صحيفة عكاظ، في 25 سبتمبر 2025، عن الخريّف تأكيده في كلمته أن التعاون مع الصين يمثل ركيزة أساسية لتعزيز الاستثمارات المشتركة عبر جميع مراحل التعدين، بدءاً من الاستكشاف وحتى المعالجة والصناعات التحويلية، في انسجام مع مستهدفات "رؤية 2030" التي تسعى لجعل التعدين الركيزة الثالثة للصناعة الوطنية.

واستعرض الوزير ما تتيحه الاستراتيجية الشاملة للتعدين والصناعات المعدنية من فرص واعدة أمام الشركات الصينية، مشيراً إلى الإصلاحات التي جعلت نظام الاستثمار التعديني السعودي من بين الأطر الأكثر جاذبية عالمياً.

كما أشاد باستثمارات الشركات الصينية في برامج المسح الجيولوجي ضمن منطقة الدرع العربي، التي أسهمت في رفع تقديرات الثروات المعدنية في المملكة من 1.3 تريليون دولار إلى 2.5 تريليون دولار، ما يعكس حجم الإمكانات الكامنة في القطاع.

ويوضح الخريّف أن البيئة الاستثمارية السعودية تستند إلى مقومات استراتيجية تشمل الموقع الجغرافي الذي يربط بين ثلاث قارات، والبنية التحتية المتطورة، وأسعار الطاقة التنافسية، إلى جانب حوافز استثنائية وتسهيل الإجراءات الحكومية، وهو ما يعزز مكانة المملكة وجهة مفضلة لشركات التعدين العالمية.

ودعا الوزير المشاركين إلى حضور النسخة الخامسة من مؤتمر التعدين الدولي في الرياض، خلال الفترة من 13 إلى 15 يناير 2026، بوصفه منصة عالمية لتبادل الخبرات واستعراض أحدث الابتكارات.

وشهدت الورشة مشاركة أكثر من 20 شركة تعدين صينية، قدمت عروضاً تناولت الاستراتيجية الشاملة للتعدين في المملكة، ومناطق الاستكشاف، والممكنات الاستثمارية، إضافة إلى استعراض الممارسات المستدامة والابتكارات التقنية في إدارة المناجم.